عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
  
              

          ░164▒ (ص) باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلَافِ فِي الْحَرْبِ، وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ.
          (ش) أَيْ: هذ بابٌ في بيانِ ما يُكرَه... إلى آخره.
          قوله: (فِي الْحَرْبِ) أَيْ: مِن المقاتلة في أحوال الحرب.
          قوله: (وَعُقُوبَةِ) أَيْ: وفي بيان عقوبةِ (مَنْ عَصَى إِمَامَهُ) يعني: بالهزيمة وحِرمان الغنيمة، وفي «التوضيح»: التنازع هو الاختلاف.
          قُلْت: ليس كذلك؛ لأنَّه يلزم عطف الشيء على نفسه في الترجمة، ولا يقال: إنَّهُ عطف بيان؛ لأنَّ التنازع معلومٌ، فلا يحتاج إلى البيان، و(التَّنَازُع) هو التخاصم والتجادل، و(الاخْتِلَاف) أن يذهب كلُّ واحدٍ منهم إلى رأي، والاختلاف سبب الهلاك في الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الله ╡ قد عبَّر في كتابه بالخلاف الَّذِي قضى به على عباده عَنِ الهلاك فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اخْتَلَفُوا} ثُمَّ قال: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:119] يعني: ليكونوا فريقين؛ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:7] مِن أجل اختلافهم.
          (ص) وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:46] يَعْنِي: الحَرْبَ.
          (ش) أَوَّل الآية: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا} وقبلَها خاطَبَ المؤمنين بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال:45]، فأمر أوَّلًا بالثبات عِنْدَ ملاقاتهم الأعداء والصبر على مبارزتهم، ثُمَّ أمرهم بذكره في تلك الحال، ولا ينسونه بل يستعينون به، ويتوكَّلون عليه، ويسألونه النصر عليهم، ثُمَّ أمرهم بإطاعة الله ورسوله في حالهم ذلك، فما أمرهم به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعون فيما بينهم فيفشلون، مِنَ الفَشَل؛ وهو الفزع والجُبن والضَّعف.
          قوله: [({وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}) أَيْ: قوَّتكم وحِدَّتكم، وما كنتم فيه مِنَ الإقبال، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46].
          قوله]
: (يَعْنِي الْحَرْبَ) هذا وقع في رِوَايَة الكُشْميهَنيِّ وحدَه.
          (ص) قَالَ قَتَادَةُ: الرِّيحُ الْحَرْبُ.
          (ش) هذا هو الَّذِي وقع في هذا الموضع في رِوَايَة الأصيليِّ: (قَالَ قَتَادَةُ: / الرِّيحُ الْحَرْبُ)، وهذا وصله عبد الرزَّاق في «تفسيره» عن مَعمرٍ عن قتادة به، وقال مجاهدٌ: الريح النصر، وقيل: الدولة، شبِّهت في نفوذ أمرها، وتمشِّيه بالريح وهبوبها، فقيل: هبَّت رياح فلان؛ إذا دالت له الدَّولةُ.