عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
  
              

          ░2▒ (ص) بابٌ أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ.
          (ش) أَيْ: هَذَا بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ: أفضلُ الناس... إلى آخره.
          قوله: (مُجَاهِدٌ) صفةٌ لِقَوْلِهِ: (مُؤمِنٌ) وفي رِوَايَة الكُشْميهَنيِّ: <يُجَاهِدُ> بلفظ المضارع.
          (ص) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصف:10].
          (ش) (وَقَوْلُهُ) بالرفع عطف عَلَى قَوْلِهِ: (أَفْضَلُ النَّاس) لأَنَّهُ مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: (مُؤْمِن).
          هاتان آيتان مِن (سورة الصَّفِّ) فيهما إرشادٌ للمؤمنين إلى طريق المغفرة، قالوا: النداء بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} للمخلِصين، وقيل: عامٌّ.
          قوله: ({هَلْ أَدُلُّكُمْ}) استفهامٌ فِي اللفظ، إيجاب فِي المعنى.
          قوله: ({تُنْجُيكُمْ}) أَيْ: تُخلِّصكم، ويُبعِدكم ({مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}) قرأ ابن عامر بالتشديد، مِنَ التَنْجِيَة، والباقون بالتخفيف، مِنَ الإنجاء.
          قوله: ({تُؤْمِنُونَ}) استئناف؛ كأنَّهم قالوا: كيف نعمل؟ فبيَّن ما هي، فقال: {تُؤْمِنُونَ}، وهو خبرٌ فِي معنى الأمر، ولهذا أُجيب بِقَوْلِهِ: ({يَغْفِرْ لَكُمْ}).
          قوله: ({وَتُجَاهِدُونَ}) عطف على {تؤمنون}، وإِنَّما جيء على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال، كأنَّها وجدت وحصلت.
          قوله: ({ذَلِكُمْ}) أَيْ: ما ذُكِرَ مِنَ الإيمان والجهاد ({خَيْرٌ لَكُمْ}) مِن أموالكم وأنفسكم ({إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}) أنَّهُ خيرٌ لكم.
          قوله: ({يَغْفِرْ لَكُمْ}) قيل: إنَّهُ جواب لِقَوْلِهِ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} ووجهه أنَّ متعلَّقَ الدلالة هو التجارة، وهي مفسَّرة بالإيمان والجهاد، فكأَنَّهُ قيل: هل تتَّجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم؟ وعَنِ ابْنِ عَبَّاس: أنَّهم قالوا: لو نعلمُ أحبُّ الأعمال إلى الله لعمِلناها، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون: ليتَنا نعلم ما هي؟ فدلَّهم الله بِقَوْلِهِ: {تُؤْمِنُونَ}، وهذا يدلُّ على أنَّ {تُؤمِنُون} كلامٌ مستأنف.
          قوله: ({وَيَدْخِلكُمْ}) عطف على {يَغْفِرْ لَكُمْ}.