عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الخروج آخر الشهر
  
              

          ░105▒ (ص) بَاب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان جواز الخروج إلى السفر في آخر الشهر، وأراد بهذه الترجمة الردَّ على مَن كَرِه ذلك، وقال ابن بَطَّالٍ: إنَّ أهل الجاهليَّة كانوا يتحرَّون أوائل الشهر للأعمال، ويكرهون التَّصرُّف في مَحَاق القمر.
          قُلْتُ: المَحَاق مِنَ الشهر: ثلاثة أيَّامٍ مِن آخره.
          (ص) وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلعم مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
          (ش) هذا التعليق قطعةٌ مِن حديثٍ وصلها البخاريُّ في (كتاب الحجِّ) في (باب ذبح الرَّجُل...).
          فَإِنْ قُلْتَ: روى أصحاب «السُّنَن» وابن حبَّان في «صحيحه» عن صَخرٍ الغامديِّ _بالغين المعجمة_عن النَّبيِّ صلعم : أنَّه قال: «بورِكَ لأمَّتي في بُكُورها».
          قُلْتُ: هذا لا يمنع جواز التصرُّف في غير وقت البُكُور، وإنَّما خَصَّ البُكُورَ بالبركة لكونه وقت النشاط، وقال الكرمانيُّ: قصدَ البخاريُّ بهذا الحديث الردَّ على مَن كره ذلك عملًا بقول المنجِّم، وقد استُشكِلَ هذا الحديثُ وحديثُ عائشة أيضًا الذي يأتي الآن، فقيل: إن كان سفرُه ذلك يومَ السبت يبقى أربعٌ مِن ذي القعدة؛ لأنَّ الخميسَ كان أوَّل ذي الحجة، وإن كان يومَ الخميس فالباقي ستٌّ، ولم يكن خروجه يوم الجمعة؛ لقول أنسٍ: صلَّى الظهر بالمدينة أربعًا، والجواب أنَّ الخروج يوم السَّبت، وقوله: «لخمسٍ بقينَ» أي: في أذهانهم حالةَ الخروج بتقدير تمامِه، فاتَّفق أن كان الشهر ناقصًا، فأُخبِرَ بما كان في الأذهان يوم الخروج؛ لأنَّ الأصل التمام.