عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الغلول
  
              

          ░189▒ (ص) بَابُ الْغُلُولِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حُرمة الغلول، نقل النوويُّ الإجماع على أنَّهُ مِنَ الكبائر، وهو مِن غلَّ في المغنم يغلُّ غلولًا فهو غالٌّ، قال ابن الأثير: الغلول هو الخيانة في المغنم والسرقة مِنَ الغنيمة قبل القسمة، وكلُّ مَن خان في شيءٍ خفية فقد غلَّ، وسميت غلولًا؛ لأنَّ الأيدي فيها مغلولة؛ أي: ممنوعة مجعول فيها غُلٌّ، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: الجامعة أيضًا.
          (ص) وقَوْلِ الله تعالى: {ومَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عِمْرَان:161].
          (ش) (وَقَوْلِ الله) بالجرِّ عطفًا على الغلول، وأوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وهذه الآية الكريمة في (سورة آل عِمْرَان)، وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي: حدَّثنا المُسَيَِّبِ بن واضح: حَدَّثَنَا أبو إسحاق الفَزاريُّ عن سفيان، عن خُصَيف، عن عِكْرِمَة، عنِ ابن عَبَّاس قال: فقدوا قطيفة يوم بدرٍ، فقالوا: لعلَّ رسول الله صلعم أخذها، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي: يخون، هذه تنزيهٌ له صلعم مِن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك، وقال العَوفيُّ عن ابن عَبَّاسٍ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي: بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضًا، وكذا قال الضحَّاك، وقرأ الحسن البَصْريُّ وطاوُوس ومجاهد والضحَّاك: {أَنْ يُغَلَّ} بِضَمِّ الياء؛ أي: يُخان، وروى ابن مَرْدَوَيْهِ مِن طريق أبي عَمْرو بن العلاء عَن مجاهدٍ عن ابن عَبَّاس قال: اتَّهم المنافقون رسول الله صلعم بشيءٍ فُقِدَ، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}[آل عِمْرَان:161].
          وقوله: ({وَمَنْ يَغْلُلْ...}) إلى آخره، تهديدٌ شديد ووعيد أكيد، وعن عَمْرو بن شُعَيْب عن أبيه عَن جدِّه قال: قال رسول الله صلعم : «رُدُّوا الخياط والمَخيط، فإنَّ الغلول عارٌ ونار وشَنار على أهله يوم القيامة».