عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الصلاة إلى الأسطوانة
  
              

          ░95▒ (ص) بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ استحبابِ الصلاةِ إلى جِهةِ الأُسطوانة إذا كان في موضعٍ فيه أسطوانة.
          و(الأُسْطُوانَة) بِضَمِّ الهمزة معروفة، والنونُ أصليَّةٌ، ووزنها: (أُفعُوالة) ؛ / مثل: (أُقْحوانة) ؛ لأنَّه يقال: أساطين مُسطَّنة، وقال الأخفش: وزنُها: «فُعْلُوانة»، وهذا يدلُّ على زيادة الواوِ والألف والنون، وقال قومٌ: وزنها «أُفْعُلانة»، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه لو كان كذلك؛ لَما جُمِعَ على (أساطين) ؛ لأنَّه ليس في الكلام (أفاعين)، وقال بعضهم: الغالبُ أنَّ الأسطوانة تكون مِن بناء، بخلاف العَمود؛ فَإِنَّهُ مِن حَجَرٍ واحد.
          قُلْت: قيدُ الغالب لا طائلَ تحته، ولا نُسلِّمُ أنَّ العَمودَ أن يكونَ مِن حَجَر واحد؛ لأنَّه ربَّما يكونُ أكثَرَ مِن واحد، ويكون مِن خَشَب أيضًا.
          (ص) وَقَالَ عُمَرُ ☺ : الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا.
          (ش) مطابقةُ هذا الأثر للترجمة ظاهرةٌ؛ لأنَّ السواريَ هي الأساطينُ.
          و(السَّوَارِي) جمع (سارية)، قال ابنُ الأثير: السارية: الأُسطوانة، وذكره الجَوْهَريُّ في (باب سرا)، ثُمَّ ذكر فيه المادَّة الواويَّة والمادَّة اليائيَّة، والظاهرُ أنَّ (السارية) مِن ذواتِ الياء.
          وهذا الذي علَّقه البُخَاريُّ وَصَله أبو بَكْر ابن أبي شَيْبَةَ والحُمَيديُّ مِن طريق هَمْدانَ؛ بَريدُ عُمَرَ ☺ ؛ أي: رسولُه إلى أهل اليَمَن، عن عُمَرَ به.
          و(هَمْدان) بفتح الهاء، وسكون الميم، وبالدال المُهْمَلة.
          قوله: (الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ) وجهُ الأحقِّيَّة: أنَّ المُصلِّينَ والمُتحدِّثينَ مُشتركانِ في الحاجة إلى السارية؛ المتحدِّثون إلى الإسناد، والمصلُّون لجعلها سُترةً، لكنَّ المُصلِّين في عبادةٍ؛ فكانوا أحقَّ.
          قوله: (مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ) أي: المتكلِّمين.
          (ص) وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ، فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا.
          (ش) مطابقتُه للترجمة في قوله: (فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ).
          و(ابْنُ عُمَرَ) هو عبد الله، وكذا وَقَع بإثبات (ابن) في رواية أبي ذرٍّ والأصيليِّ وغيرهما، وعند البعضِ: <رأى عُمَرُ> بحذف (ابن)، قال بعضهم: (هو أشبهُ بالصواب، فقد رواه ابن أبي شَيْبَةَ في «مُصنَّفه» من طريق مُعاويةَ بن قُرَّةَ بن إياسٍ المُزَنيِّ عن أبيه _وله صحبةٌ_ قال: رآني عمرُ وأنا أُصلِّي...؛ فذكَرَ مثلَه سواءً، ولكن زاد: «فأخَذَ بقفاي»)، انتهى.
          قُلْت: روايةُ الأكثرينَ أشبهُ بالصواب، مَعَ احتمال أن تَكونَ قضيَّتان؛ إحداهما عن عُمَرَ، والأخرى عنِ ابنِه، ولا مانعَ لِذلك.
          وقال هذا القائل أيضًا: وعُرِفَ بذلك تسميةُ المُبهَمِ المذكورِ في التعليق.
          قُلْت: هذا إِنَّما يكونُ إذا تحقَّق اتِّحادُ القضيَّة.
          قوله: (فَأَدْنَاهُ) أي: قرَّبه، مِنَ الإدناء؛ وهو التقريب، وادَّعى ابنُ التين أنَّ عمر إِنَّما كرِهَ ذلك لانقطاع الصُّفوف، وقيل: أراد بذلك أن تكونَ صلاتُه إلى سُترةٍ.