-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء
-
باب وجوب الصلاة في الثياب
-
باب عقد الإزار على القفا في الصلاة
-
باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به
-
باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه
-
باب إذا كان الثوب ضيقا
-
باب الصلاة في الجبة الشامية
-
باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها
-
باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء
-
باب ما يستر من العورة
-
باب الصلاة بغير رداء
-
باب ما يذكر في الفخذ
-
باب في كم تصلي المرأة في الثياب
-
باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها
-
باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟
-
باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه
-
باب الصلاة في الثوب الأحمر
-
باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب
-
باب إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد
-
باب الصلاة على الحصير
-
باب الصلاة على الخمرة
-
باب الصلاة على الفراش
-
باب السجود على الثوب في شدة الحر
-
باب الصلاة في النعال
-
باب الصلاة في الخفاف
-
باب إذا لم يتم السجود
-
باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود
-
باب فضل استقبال القبلة
-
باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق
-
باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
-
باب التوجه نحو القبلة حيث كان
-
باب ما جاء في القبلة
-
باب حك البزاق باليد من المسجد
-
باب حك المخاط بالحصى من المسجد
-
باب: لا يبصق عن يمينه في الصلاة
-
باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى
-
باب كفارة البزاق في المسجد
-
باب دفن النخامة في المسجد
-
باب: إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه
-
باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة
-
باب هل يقال: مسجد بنى فلان؟
-
باب القسمة وتعليق القنو في المسجد
-
باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه
-
باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء
-
باب إذا دخل بيتا يصلى حيث شاء أو حيث أمر ولا يتجسس
-
باب المساجد في البيوت
-
باب التيمن في دخول المسجد وغيره
-
باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد
-
باب الصلاة في مرابض الغنم
-
باب الصلاة في مواضع الإبل
-
باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله
-
باب كراهية الصلاة في المقابر
-
باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب
-
باب الصلاة في البيعة
-
باب قول النبي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
-
باب نوم المرأة في المسجد
-
باب نوم الرجال في المسجد
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر
-
باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين
-
باب الحدث في المسجد
-
باب بنيان المسجد
-
باب التعاون في بناء المسجد
-
باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد
-
باب من بنى مسجدا
-
باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد
-
باب المرور في المسجد
-
باب الشعر في المسجد
-
باب أصحاب الحراب في المسجد
-
باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد
-
باب التقاضي والملازمة في المسجد
-
باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان
-
باب تحريم تجارة الخمر في المسجد
-
باب الخدم للمسجد
-
باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد
-
باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد
-
باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم
-
باب إدخال البعير في المسجد للعلة
-
باب
-
باب الخوخة والممر في المسجد
-
باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد
-
باب دخول المشرك المسجد
-
باب رفع الصوت في المساجد
-
باب الحلق والجلوس في المسجد
-
باب الاستلقاء في المسجد ومد الرجل
-
باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس
-
باب الصلاة في مسجد السوق
-
باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره
-
باب المساجد التي على طرق المدينة
-
باب سترة الإمام سترة من خلفه
-
باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة
-
باب الصلاة إلى الحربة
-
باب الصلاة إلى العنزة
-
باب السترة بمكة وغيرها
-
باب الصلاة إلى الأسطوانة
-
باب الصلاة بين السواري في غير جماعة
-
باب
-
باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل
-
باب الصلاة إلى السرير
-
باب يرد المصلي من مر بين يديه
-
باب إثم المار بين يدي المصلي
-
باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي
-
باب الصلاة خلف النائم
-
باب التطوع خلف المرأة
-
باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء
-
باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة
-
باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض
-
باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد؟
-
باب المرأة تطرح عن المصلى شيئا من الأذى
-
باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░50▒ (ص) بَابُ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِ الإِبِلِ.
(ش) أي: هذا بابٌ في بيان الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِ الإِبِلِ، وفي بعض النُّسَخ: <في مواضع الإبل> بالجمع، ثُمَّ إنَّ البُخَاريَّ إن أراد من (مواضع الإبل) معاطنَها؛ فالصلاة فيها مكروهةٌ عند قومٍ، خلافًا لآخرين، وإن أرادَ بها أعمَّ من ذلك؛ فالصلاة فيها غيرُ مكروهةٍ بلا خلافٍ، وعلى كلِّ التقديرِ؛ لم يذكر في الباب حديثًا يدلُّ على أحدِ الفصلين، وإِنَّما ذكر فيه الصلاةَ إلى البعير؛ وهو لا يطابق الترجمةَ، وعن هذا قال الإسماعيليُّ: (ليس في هذا الحديث بيانُ أنَّهُ صلَّى في موضعِ الإبلِ، وإِنَّما صلَّى إلى البعير، لا في موضعه، وليس إذا أُنِيخَ بعيرٌ في موضعٍ؛ صار ذلك عطنًا أو مأوًى للإبل) انتهى.
قُلْت: لأنَّ العَطَن اسمٌ لمبرك الإبل عند الماء؛ ليشرب عَللًا بعد نَهلٍ، فإذا استوفت؛ رُدَّت إلى المراعي، وأجاب بعضُهم عن كلام الإسماعيليِّ بقوله: (إنَّ مرادَه الإشارةُ إلى ما ذكر من علَّة النهي عن ذلك، وهي كونُها من الشياطين، كأنَّه يقولُ: لو كان ذلك مانعًا من صِحَّة الصلاة؛ لامتنع مثله في جعلها أمام المصلِّي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنَّهُ صلعم كان يصلّي النافلةَ وهو على بعيره).
قُلْت: سبحان الله! ما أبعدَ هذا الجواب عن موقع الخطاب! فَإِنَّهُ متى ذَكَر علَّةَ النهي عن الصلاة في معاطن الإبل حَتَّى يشير إليه؟! ولم يذكر شيئًا في كتابه من أحاديثِ النهي في ذلك، وإِنَّما ذكره غيرُه؛ فمسلمٌ ذكر حديثَ جابرِ بنِ سَمُرة من رواية جعفرِ بن أبي ثورٍ عنه: أنَّ رجلًا سأل رسولَ الله صلعم : أأتَوَضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت؛ توضَّأ، وإن شئت؛ فلا تتَوَضَّأ» قال: أتَوَضَّأ من لحوم الإبل؟ قال: «فتَوَضَّأ من لحوم الإبل» قال: أصلِّي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلِّي في مبارك الإبل؟ قال: «لا»، / وأبو داود ذكرَ حديثَ البراءِ من رواية عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وفيه: (سُئِل عن الصَّلاة في مبارك الإبل فقال: «لا تصلُّوا في مبارك الإبل؛ فَإِنَّها من الشياطين»)، والتِّرْمِذيُّ ذكرَ حديثَ أبي هُرَيْرَة من حديث ابن سِيرِين عنه قال: قال رسولُ الله صلعم : «صلُّوا في مَرابِض الغنم، ولا تُصَلُّوا في أعطان الإبل»، وابنُ ماجه ذكر حديثَ سَبْرة بن مَعْبَد من رواية عبدِ الملك بن الربيع بن سَبْرة بن مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ: أخبرني أبي عن أبيه: أنَّ رسول الله صلعم قال: «لا يُصلَّى في أعطان الإبل، ويُصلَّى في مُراح الغنم»، وذكر ابنُ ماجه أيضًا حديثَ عبد اللَّه بن مُغَفَّل من رواية الحسنِ عنه قال: قال النَّبيُّ صلعم : «صلُّوا في مَرَابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل؛ فَإِنَّها خُلِقت من الشياطين»، وذكر أيضًا حديثَ ابنِ عُمَرَ من حديثِ مُحَارِبِ بنِ دِثَار يقول: سمعتُ عبدَ اللَّه بن عُمَرَ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «توضَّؤوا من لحوم الإبل...» الحديث، وفيه: «ولا تصلُّوا في معاطن الإبل».
وذكر الطبرانيُّ في «الأوسط» حديثَ أُسَيْدِ بن حُضَيْرٍ قال: قال رسولُ الله صلعم : «توضَّؤوا من لحوم الإبل، ولا تصلُّوا في مُنَاخها»، وأخرج أيضًا في «الكبير» حديثَ سليك الغَطَفانيِّ عن النَّبِيِّ صلعم قال: «توضَّؤوا من لحوم الإبل، ولا توضَّؤوا من لحوم الغنم، وصلُّوا في مَرابِض الغنم، ولا تصلُّوا في مبارك الإبل»، وذكر أبو يَعْلَى في «مسنده» حديثَ طلحةَ بنِ عُبَيد اللَّه قال: (كان رسولُ الله صلعم يتَوَضَّأ من ألبانِ الإبل ولحومِها، ولا يصلِّي في أعطانها).
وذكر أحمدُ في «مسنده» حديثَ عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاصِ: (أنَّ النَّبِيَّ صلعم كان يصلِّي في مَرَابِد الغنم، ولا يصلِّي في مَرَابِد الإبل والبقر)، وأخرجه الطَّبرانيُّ في «الكبير» أيضًا ولفظه: «لا تصلُّوا في أعطان الإبل، وصلُّوا في مُراح الغنم».
وذكر الطَّبرانيُّ أيضًا حديثَ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ في «الكبير» و«الأوسط» عنِ النَّبِيِّ صلعم قال: «صلُّوا في مَرابِض الغنمِ، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل، أو مبارك الإبل»، وذكر أحمدُ والطَّبرانيُّ أيضًا حديثَ يعيش الجُهَنِيِّ المعروفِ بذي الغرَّة من رواية عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عنه قال: (عرض أعرابيٌّ لرسولِ الله صلعم ...) الحديث، وفيه: (تُدرِكنا الصلاةُ ونحن في أعطان الإبل فنصلِّي فيها؟ فقال رسولُ الله صلعم : «لا»)، وأخرجه أحمدُ أيضًا.
فهذا كما رأيت وقع في موضعٍ: (مبارك الإبل)، وفي موضعٍ: (أعطان الإبل)، وفي موضع: (مُنَاخ الإبل)، وفي موضع: (مَرَابد الإبل)، ووقع عند الطَّحَاويِّ في حديث جابر بن سَمُرة: (أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله؛ أصلِّي في مباءة الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلِّي في مباءة الإبل؟ قال: «لا»).
و(المباءة) المنزلُ الذي تأوي إليه الإبل، و(الأعطان) جمع (عطن)، وقد فسَّرْناه، و(المبارك) جمع (مبرك) ؛ وهو موضع بروك الجمل في أيِّ موضعٍ كان، و(المُناخ) بِضَمِّ الميم وفي آخره خاء مُعْجَمة: المكانُ الذي تُنَاخ فيه الإبل، و(المرابد) بالدال المُهْمَلة: هي الأماكنُ التي تُحبَس فيها الإبلُ وغيرُها من البقرِ والغنم، وقال ابنُ حَزْمٍ: كلُّ عطن؛ فهو مَبْرَكٌ، وليس كلُّ مَبْرِك عطنًا؛ لأنَّ العطنَ هو الموضعُ الذي تُنَاخ فيه عند ورودها الماءَ فقط، والمَبْرك أعمُّ؛ لأنَّه الموضعُ المتَّخذُ له في كلِّ حالٍ، فإذا كان كذلك؛ تُكرَه الصلاةُ في مَبَارك الإبل ومواضعها، سواء كانت عطنًا أو مُناخًا أو مباءةً أو مَرابدَ أو غيرَ ذلك، فدلَّ هذا كلُّه أنَّ عِلَّةَ النهي فيه كونُها خُلِقت من الشياطين، [ولاسيَّما فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسَّلام علَّل ذلك بقوله: «فَإِنَّها خُلِقت من الشياطين»]، وقد مرَّ في رواية أبي داودَ: «فَإِنَّها من الشياطين»، وفي رواية ابنِ ماجه: «فَإِنَّها خُلِقت مِنَ الشياطين»؛ فهذا يدلُّ على أنَّ الإبلَ مخلوقةٌ مِن الجنِّ؛ لأنَّ الشياطين مِنَ الجِنِّ على الصحيح من الأقوال، وعن هذا قال يحيى بن آدم: جاء النهيُ مِن قِبَل أنَّ الإبلَ يُخاف / وُثوبُها فتَعطِب مَن تُلاقي حينئذٍ، ألَا يُرى أنَّهُ يقول: إِنَّها جِنٌّ، ومِن جِنٍّ خُلِقت، واستصوب هذا أيضًا القاضي عِياضٌ.
وذكروا أيضًا أنَّ عِلَّةَ النهيِ فيه مِن ثلاثة أوجهٍ أخرى:
أحدُها: عن شَرِيك بنِ عبد الله: أنَّهُ كان يقول: نُهِيَ عنِ الصلاةِ في أعطان الإبل؛ لأنَّ أصحابَها من عادتهم التغوُّطُ بقرب إبلهم والبولُ، فينجِّسون بذلك أعطانَ الإبل، فنُهيَ عنِ الصلاة فيها لذلك، لا لعلَّة الإبل، وإِنَّما هو لعلَّة النجاسة التي تمنعُ من الصلاة في أيِّ موضعٍ ما كانت، بخلاف مَرَابِض الغنم؛ فإنَّ أصحابَها من عادتهم تنظيفُ مواضعها وتركُ البولِ فيها والتغوُّطِ، فأُبِيحت الصلاةُ في مَرابِضها لذلك، وهذا بعيدٌ جدًّا مخالفٌ لظاهرِ الحديث.
والوجه الثاني: أنَّ علَّةَ النهي هي كونُ أبوالها وأرواثها في معاطنها، وهذا أيضًا بعيدٌ؛ لأنَّ مَرابِضَ الغنم تشركها في ذلك.
والوجه الثالث: ذكره يحيى بن آدم: أنَّ العلَّةَ في اجتناب الصلاة في معاطن الإبل: الخوفُ مِن قِبَلها، كما ذكرناه الآن، بخلاف الغنم؛ لأنَّه لا يُخَاف منها ما يُخَاف من الإبل، وقال الطَّحَاويُّ: إن كانتِ العلَّةُ هي ما قال شَرِيك؛ فإنَّ الصلاةَ مكروهةٌ حيث يكون الغائط والبول، سواء كان عطنًا أو غيرَه، وإن كانت ما قاله يحيى؛ فإنَّ الصلاةَ مكروهةٌ حيث يُخَافُ على النفوس، سواء كان عطنًا أو غيرَه، وغمز بعضُهم في الطَّحَاويِّ بقوله: قال: إنَّ النظرَ يقتضي عدمَ التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرِها، كما هو مذهبُ أصحابِه، وتُعُقِّبَ بأنَّه مخالفٌ للأحاديث الصحيحة المصرِّحة بالتَّفْرِقة، فهو قياسٌ فاسدُ الاعتبار.
قُلْت: هذا الكلامُ [فاسدُ الاعتبار؛ لأنَّ الطَّحَاويَّ قطُّ ما قال: إنَّ النظرَ يقتضي عدمَ التفرقة، وإِنَّما قال: حُكمُ هذا] البابِ من طريق النظر أنَّا رأيناهم لا يختلفون في مَرابِض الغنم أنَّ الصلاةَ فيها جائزةٌ، وإِنَّما اختلفوا في أعطان الإبل؛ فقد رأينا حكمَ لحمان الإبل كحُكْمِ لحمان الغنم في طهارتها، ورأينا حُكمَ أبوالها كحُكْمِ أبوالها في طهارتها أو نجاستها، فكان يجيء في النظر أيضًا أنْ يكونَ حُكْمُ الصلاةِ في مواضعِ الإبل كهوَ في مواضع الغنم؛ قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا، فمن تأمَّل ما قاله؛ عَلِم أنَّ القياسَ الذي ذكره ليس من جهة عدم التفرقة، وليس هو بمخالفٍ للأحاديث الصحيحة المصرِّحة بالتفرقة، وإِنَّما ذهب إلى عدم التفرقة من حيث معارضةُ حديثٍ صحيحٍ تلك الأحاديثَ المذكورةَ؛ وهو قولُه صلعم : «جُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، فعمومُه يدلُّ على جواز الصلاة في أعطان الإبل وغيرِها بعد أن كانت طاهرةً، وهو مذهبُ جمهورِ العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفةَ ومالكٌ والشَّافِعِيُّ وأبو يوسفَ ومُحَمَّدٌ وآخرون، وكرهها الحسنُ البِصْريُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ، وعن أحمدَ في روايةٍ مشهورةٍ عنه: أنَّهُ إذا صلَّى في أعطان الإبل؛ فصلاتُه فاسدةٌ، وهو مذهبُ أهلِ الظاهرِ، وقال ابنُ القاسم: لا بأسَ بالصلاة فيها، وقال أَصْبَغ: يعيد في الوقت، وفي «شرح التِّرْمِذيِّ»: وحمل الشَّافِعِيُّ وجمهورُ العلماء النهيَ عنِ الصلاةِ في معاطِنِ الإبل على الكراهة إذا كان بينَه وبينَ النجاسةِ التي في أعطانها حائلٌ، فإن لم يكن بينهما حائلٌ؛ لا تصحُّ صلاتُه.
قُلْت: إذا لم يكن بين المصلِّي وبين النجاسةِ حائلٌ؛ لا تجوز صلاتُه في أيِّ مكانٍ كان، وجوابٌ آخَرُ عنِ الأحاديثِ المذكورةِ: أنَّ النهيَ فيها للتنزيه؛ كما أنَّ الأمرَ في مَرابِض الغنمِ للإباحة، وليس للوجوبِ اتِّفاقًا، ولا للنَّدْبِ.
فَإِنْ قُلْتَ: في حديث البراءِ عند أبي داودَ: (وسُئِل عنِ الصلاة في مَرَابِض الغنم فقال: «صلُّوا فَإِنَّها بركةٌ»)، وعند الطَّبَرانيِّ في حديثِ عبدِ الله بن مُغَفَّل: «فَإِنَّها بركةٌ من الرَّحْمَن»، وفي روايةِ أحمدَ: «فَإِنَّها أقربُ من الرحمة»، وعند البَزَّار في حديث أبي هُرَيْرَة: «فَإِنَّها من دوابِّ الجنَّة»؛ فكلُّ هذا يدلُّ على استحباب الصلاة في مَرابِض الغنمِ؛ لما فيها من البركةِ، وقُرْبِ الرَّحمة.
قُلْت: ذكر هذا للترغيب في الغنم؛ لإبعادها عن حكم الإبل؛ إذ وُصِف أصحابُ الإبل بالغِلَظ [والقَسوة، ووُصِفَ أصحابُ الغنم بالسَّكِينة، ولا تعلُّقَ / لاستحباب الصلاة بمَرابِض الغنم].
فَإِنْ قُلْتَ: مرابِدُ البقر هل تُلحَق بمَرابِد الغَنَم أم بمرابِدِ الإبل؟
قُلْت: ذكر أبو بَكْر بن المنذر أنَّها مُلحَقَةٌ بمرابِد الغَنَم، فلا تُكرَه الصلاةُ فيها.
فَإِنْ قُلْتَ: في حديث عبد الله بن عَمْرٍو من «مسند أحمدَ» إلحاقُها بالإبل؛ كما تَقَدَّمَ.
قُلْتُ: في إسناده عبدُ الله بن لَهِيعةَ، والكلامُ فيه مشهورٌ.