عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به
  
              

          ░4▒ (ص) بَابُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ صلاةِ مَن يُصلِّي في الثوب الواحد حالَ كونِهِ ملتحفًا به. (الالتِحَافُ) لغةً: التَّغطِّي، وكلُّ شيءٍ تغطَّيتَ بهِ؛ فقدِ التحفتَ به، وقال اللَّيثُ: اللَّحْفُ: تغطيتُكَ الشيءَ باللِّحَافِ، وقال غيره: لحفتُ الرجلَ ألحَفُهُ لَحْفًا؛ إذا طرحتَ عليه اللِّحافَ، أو غطَّيتَهُ بشيء، وتلحَّفتُ: اتَّخذْتُ لنفسي لحافًا.
          (ص) قَالَ الزُّهْريُّ فِي حَدِيثِهِ: الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ، وَهْوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهْوَ الاِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ.
          (ش) أي: قال مُحَمَّد بن مسلمٍ ابن شهابٍ الزُّهْريُّ في حديثه الذي رواه في الالتحاف عن سالم بن عُمَر عن عبد الله بن عُمَر قال: (رأى عُمَر بن الخَطَّاب ☺ رجلًا يُصلِّي ملتحفًا، فقال له عمر ☺ حين سلَّم: لا يُصلينَّ أحدُكم ملتحفًا، ولا تَشَبَّهوا باليهود) رواه الطَّحَاويُّ عنِ ابنِ أبي داود، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم به، ورواه ابن أبي شَيْبَةَ في «مُصنَّفه»: حدَّثنا عبد الأعلى عن مَعْمَر عن الزُّهْريِّ عن سالم عن ابن عمر: (أنَّ عُمَر بن الخَطَّاب ☺ رأى رجلًا يُصلِّي ملتحفًا، فقال: لا تَشَبَّهوا باليهود، ومَن لم يجد منكم إلَّا ثوبًا واحدًا؛ فليتَّزِرْ به) وكذا في حديثه الذي رواه عن سعيد عن أبي هُرَيْرَة، رواه أحمد وغيره.
          قوله: (الْمُتَوَشِّحُ) اسم فاعِلٍ من (باب التفعُّل)، من توشَّح يتوشَّح، والتوشُّح بالثوب: التغشِّي به، والأصلُ فيه مِنَ الوشاح؛ وهو شيءٌ يُنسَجُ عريضًا مِن أديمٍ، ورُبَّما رُصِّع بالجوهَرِ والخَرَز، وتشدُّه المرأةُ بين عاتقَيها وكَشْحَيها، ويقال فيه: وِشاح وإِشاح، وقال ابن سِيدَه: التوشُّح: أن يتوشَّح بالثوب، ثُمَّ يُخرِج الأيسرَ مِن تحت يده اليمنى، ثُمَّ يعقِد طرفَيهِما على صدرِه، وقد وشَّحه الثوبُ.
          قوله: (وَهْوَ الْمُخَالِفُ) أي: المتوشِّحُ هو الذي يُخالِفُ بين طَرَفَي الثوب، وأوضَحَ ذلك بقوله: (وَهْوَ الاِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ)، والضمير يرجع إلى التوشُّح الذي يدلُّ عليه قوله: (المتوشِّح) كما في قوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ}[المائدة:8]، والظاهر أنَّ الزُّهْريَّ لمَّا فسَّر المُلتَحِف بالمتوشِّح عند روايتِه حديثَه فيه؛ أوضحه البُخَاريُّ بقوله: (وهو المُخالِفُ...) إلى آخره.
          (ص) وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ ♦: الْتَحَفَ النَّبِيُّ صلعم بِثَوْبٍ، وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.
          (ش) هذا التعليقُ رواه البُخَاريُّ، رواهُ موصولًا في هذا الباب، ولكنْ ليس فيه (وخالف بين طَرَفَيه)، وفائدةُ ذكرِ هذا هي الإشارةُ إلى أنَّ أمَّ هانئ فسَّرت التحاف النَّبِيَّ صلعم بثوبٍ بقولها: (وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ)، وقال ابن بَطَّالٍ: وفائدةُ هذه المخالفة في الثوب أن لا ينظرَ المصلِّي إلى عورة نفسِه إذا رَكَع.
          قُلْت: يجوز أن تكون الفائدةُ أيضًا: ألَّا يسقط إذا رَكَع وإذا سَجَد.
          و(أُمُّ هَانِئٍ) بالنون وبالهمزة: بنت / أبي طالبٍ القُرَشيَّة الهاشميَّة، أخت عليِّ بن أبي طالبٍ، اسمُها فاخِتة، وقيل: هند، وقد تَقَدَّمَ ذكرُها.