عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه
  
              

          ░43▒ (ص) بَابُ مَنْ دُعِيَ لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ أَجَابَ مِنْهُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حكمِ مَن دُعِيَ... إلى آخرِهِ، وقوله: (فِي الْمَسْجِدِ) يتعلَّقُ بقوله: (دُعِيَ) لا بقولِهِ: (لِطَعَامٍ).
          فَإِنْ قُلْتَ: صلةُ (دُعِي) بكلمةِ (إلى) ؛ نحوُ: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}[يونس:25] وبالباءِ؛ نحو: (دَعَا هِرَقلُ بكتابِ رسولِ اللهِ صلعم ) واللَّام للاختصاص، فما وجهُ هذا؟
          قُلْتُ: تختلفُ صِلَاتُ الفعلِ بحسبِ اختلافِ المعاني، فإذا قُصِدَ بيانُ الانتهاءِ جِيءَ بكلمة (إلى)، وإذا قُصِدَ معنى الطَّلب جيءَ بالباءِ، وإذا قُصِدَ معنى الاختصاصِ جيء باللَّام، وههنا قُصِدَ معنى الاختصاصِ.
          قوله: (وَمَنْ أَجَابَ مِنْهُ) في روايةِ الأكثرين، وفي روايةِ الكُشْميهَنيِّ: <ومَن أجابَ إليه>.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما الفرقُ بينَ الرِّوايتَين؟ قُلْت: كلمة (مِن) في روايةِ: <منه> للابتداءِ، والضميرُ يعودُ على (المسجد)، وفي رواية: <إلى> يعودُ الضَّميرُ إلى (الطعام).
          فَإِنْ قُلْتَ: ما قصدُ البُخَاريِّ مِن هذا التبويبِ؟ قُلْت: الإشارةُ إلى أنَّ هذا مِنَ الأمورِ المباحةِ، وليس مِنَ اللَّغوِ الذي يُمنَعُ في المساجدِ.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما وجهُ المناسبةِ بينَ هذا البابِ والذي قبله؟ قُلْت: قولُهُ مِن (بابِ حكِّ البزاقِ باليدِ مِنَ المسجدِ) إلى قولِهِ: (بابِ سترةِ الإمامِ) خمسةٌ وخمسون بابًا، كلُّها فيما يتعلَّق بأحكامِ المساجدِ، فلا يحتاج إلى ذكرِ وجهِ المناسبةِ بينَها على الخصوصِ.