نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: من نوقش الحساب عذب

          6536- (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) بضم العين، هو: ابنُ موسى بن باذام أبو محمَّد العبسيُّ الكوفي (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ) بن موسى المكِّيِّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بضم الميم، هو: عبدُ الله (عَنْ عَائِشَةَ) ♦. قال الدَّارقطني: رواهُ حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله بن أبي مُليكة فقال: حدَّثني القاسم بن محمَّد: حدَّثتني عائشة ♦، / وقوله أصحُّ؛ لأنَّه زاد، وهو حافظٌ متقنٌ.
          وتعقَّبه النَّووي وغيره: بأنَّه محمولٌ على أنَّه سمع من عائشة، وسمعه من القاسم عن عائشة، فحدَّث به على الوجهَين.
          قال الحافظ العَسقلاني: وهذا مجرَّد احتمالٍ، وقد وقع التَّصريح بسماع ابن أبي مُليكة له عن عائشة ♦ في بعض طرقه، كما في السَّند الثَّاني من هذا الباب [خ¦6536]، فانتفى التَّعليل بإسقاط رجلٍ من السَّند، وتعيَّن الحمل على أنَّه سمع من القاسم عن عائشة، ثمَّ سمعه من عائشة بغير واسطةٍ، أو بالعكس. والسِّرُّ فيه: أنَّ في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطةٍ، وإن كان مرادهما واحداً، وهذا هو المعتمد.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ) وفي رواية عبد بن حميد: عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاريِّ فيه: سمعتُ النبيَّ صلعم (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ، قالَتْ) أي: عائشة ♦ (قُلْتُ): يا رسول الله (أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}) وفي رواية عبد: ((قلت: يا رسول الله)).
          (قَالَ) صلعم : (ذَلِكِ) بكسر الكاف وتفتح؛ أي: الحساب المذكور في الآية (الْعَرْضُ) أي: عرض أعمال المؤمن عليه حتَّى يعرف منَّة الله عليه في سترها عليه في الدُّنيا، وفي عفوه عنها في الآخرة. ولأحمدَ من وجهٍ آخر عن عائشة ♦: سمعت رسول الله صلعم يقول في بعض صلاته: ((اللهمَّ حاسبني حساباً يسيراً)) فلمَّا انصرف قلت: يا رسول الله! ما الحساب اليسير؟ قال: ((أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه، إنَّ من نوقش الحساب يا عائشةُ هلك)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، وقد مرَّ الحديث في «العلم»، في «باب: من سمع شيئاً فراجعه» [خ¦103].
          (حَدَّثَنِي) بالإفراد، وفي رواية أبي ذرٍّ: <حدَّثنا> (عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) بفتح العين وسكون الميم، ابن بحرٍ، أبو حفص الباهلي البصري الصَّيرفي، قال: / (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هو: القطَّان، وفي رواية أبي ذرٍّ: <يحيى بن سعيد> (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ) المكِّي مولى بني جُمَح، وهو السَّابق قريباً [خ¦6536]، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ) ♦ (قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم : مِثْلَهُ) أي: مثل الحديث المذكور، وتقدَّم في «تفسير سورة الانشقاق» بهذا السَّند [خ¦4939]، ولم يسقْ لفظه أيضاً، وأورده الإسماعيليُّ من طريق أبي بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيدٍ فقال: مثل حديث عبيد الله بن موسى.
          (وَتَابَعَهُ) سقطت الواو في رواية أبي ذرٍّ؛ أي: تابع عثمان بن الأسود في روايته عن ابن أبي مُليكة (ابْنُ جُرَيْجٍ) هو: عبدُ الملك بن عبد العزيز بن جريج (وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ) بضم السين المهملة وفتح اللام، أبو عثمان المكِّي. قال الغسَّاني: استشهد به البخاريُّ في «باب من نُوقش» [خ¦6536]، وليس هو: ابن سُليمٍ البصريُّ، وهو أبو هلالٍ استشهد به البخاريُّ في «التَّعبير» [خ¦7017].
          وأمَّا المزِّي فلم يذكر أبا عثمان في «التَّهذيب»، بل اقتصر على ذكر أبي هلالٍ، وقد وصله عنهما أبو عَوَانة في «صحيحه»، وقد اختُلف على ابن جريجٍ في سند هذا الحديث، وأخرجه ابن مَرْدويه من طريقٍ أخرى عن ابن جُريج عن عطاء عن عائشة ♦ مختصراً، ولفظه: ((من حُوسب يوم القيامة عُذِّبَ)).
          (وَ) تابعه أيضاً (أَيُّوبُ) السَّختياني، وقد وصلها المؤلِّف في «التَّفسير» [خ¦4939] من رواية حمَّاد بن زيد عن أيُّوب، ولم يسقْ لفظه. نعم، أخرجها أبو عَوَانة في «صحيحه» عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاريِّ فيه بلفظ: ((من حوسب عُذِّب)) قالت عائشة: قلت: يا رسول الله! فأين قول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7-8] قال: ((ذلك العرض، ولكنَّه من نُوقش عُذِّب)).
          وأخرجه من طريق هنَّاد عن أيُّوبَ بلفظ: ((من نوقش عُذِّب)) فذكر نحوه، وأخرجه ابن مردويه من وجهٍ آخر عن حمَّاد بلفظ: ((ذاكم العرض)) بزيادة ميم الجماعة.
          (وَ) تابعه أيضاً (صَالِحُ بْنُ رُسْتُمٍ) بضم الراء وسكون السين وضم المثناة الفوقية، وقيل: بفتحها، المزني مولاهم، وهو: أبو عامرٍ الخزاز _بمعجمات_ البصريُّ، مشهورٌ بكنيته أكثر من اسمه، فوصلها إسحاق بن راهويه في «مسنده» عن النَّضر بن شُميل.
          وفي لفظٍ زيادة وهي: قوله: عن عائشة ♦: قالت: / إنِّي لأعلم أيَّ آيةٍ في القرآن أشدُّ، فقال لي النَّبي صلعم : ((وما هي؟)) قلتُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]، فقال: ((إنَّ المؤمن يُجازى بأسوأ عملِهِ في الدُّنيا يُصيبه المرض حتَّى النَّكبة، ولكن من نوقشَ الحساب يُعذَّب)) قالت: قلتُ: أليس قال الله تعالى... فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق.
          وأخرجه الطَّبري وأبو عَوانة وابن مردويه من عدَّة طرقٍ عن أبي عامر الخزَّاز نحوه.
          (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ).