نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: الصراط جسر جهنم

          ░52▒ (بابٌ: الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ) أي: الجسر المنصوب على جهنَّم لعبور المسلمين عليه إلى الجنَّة، وجهنَّم _بفتح الجيم وتكسر_ وهي: لفظه أعجميَّة اسمٌ لنار الآخرة، وقيل: هي عربيَّة، وسمِّيت بها؛ لبُعْدِ قعرها، ومنه ركيةٌ جِهِنَّام وهي: بكسر الجيم والهاء وتشديد النون، وقيل: هي تعريب كهنام.
          قال أبو سعيدٍ فيما رواه مسلم بلغني: ((إنَّ الصِّراط أحدُّ من السَّيف، وأدقُّ من الشَّعرة))، وقال سعيد بن هلال عند ابن منده بلغني فذكره.
          ووصله البيهقيُّ عن أنسٍ ☺ عن النَّبي صلعم مجزوماً به، لكن في سنده لين، وفي مرسل عبيد بن عُمير عند ابن المبارك: ((إنَّ الصِّراط مثل السَّيف وبجنبتيه كلاليب إنَّه ليُؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر)). وعند ابن عساكر عن الفضيل بن عِياض، قال: ((بلغنا أنَّ الصِّراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة، خمسة آلاف صعودٍ، وخمسة آلاف هبوطٍ، وخمسة آلاف مستوى، أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السَّيف على متن جهنَّم لا يجوز عليه إلَّا ضامرٌ مهزولٌ من خشية الله)). وهذا معضلٌ لا يثبت، وعند ابن المبارك وابن أبي الدُّنيا عن سعيد بن أبي هلالٍ بلغنا: ((أنَّ الصِّراط أدقُّ من الشَّعرة على بعض النَّاس، ولبعض النَّاس مثل: الوادي الواسع)) وهو مرسلٌ أو معضل.
          فتأمَّل نفسك إذا صرت على الصِّراط، ووقع بصرك على جهنَّم من تحته، / ثمَّ قرع سمعك شهيق النَّار وزفيرها وسوادها وسعيرها، وكيف بك إذا وضعت إحدى رجليك عليه، وأحسست بحرِّه، واضطررت إلى أن ترفعَ القدم الثَّاني، والخلائق بين يديك يزلُّون ويعثرون، والزَّبانية تلتقطُهم بالخطاطيفِ والكلاليب، وأنت تنظر إلى ذلك فيا له من منظرٍ ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبَه، ومجازٍ ما أضيقه.
          نسأل الله السَّلامة والإعانة والعافية بمنِّه، رأى يحيى بن اليمان رجلاً نائماً وهو أسود الرَّأس واللِّحية، فاستيقظَ وهو أبيض الرَّأس واللِّحية، فأخبره أنَّه رأى في منامه كأنَّ النَّاس قد حشروا، فإذا بنهرٍ من نارٍ، وجسرٍ يمرُّ عليه النَّاس فدُعِي فدخل الجسر، فإذا هو كحدِّ السَّيف يمور به يميناً وشمالاً، فشابَ من ذلك.