نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يكره من قيل وقال

          ░22▒ (باب: مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ) بفتحهما في الفرع كأصله، قال أبو عبيد: جعل القال مصدراً، كأنَّه قال: نهى عن الإكثار بما لا فائدةَ فيه من الكلام، وهذا على أنَّ الرِّواية فيه بالتَّنوين. وقال غيره: هما اسمان، يقال: كثير القِيل والقال، وفي حرف ابن مسعودٍ ☺ ((ذلك عيسى بن مريم قالُ الحقُّ)) بضم اللام. وقال ابن دقيق العيد: الأشهر فيه فتح اللام فيهما على سبيلِ الحكاية، وهو الَّذي يقتضيه المعنى؛ لأنَّ القيل والقال إذا كانا اسمين فالمعنى واحدٌ كالقول، فلا يكون في أحدهما على الآخر كثير فائدةٍ، بخلاف ما إذا كانا فعلَين على أن يكون حكاية أقاويل النَّاس، قال فلان كذا، وفلان كذا، وقيل: كذا وكذا.
          وقال المحبُّ الطَّبري: إذا كانا اسمين يكون الثَّاني تأكيداً، والحكمة في النَّهي عن ذلك أنَّ الكثرة من ذلك / لا يُؤمَن معها وقوع الخطأ.
          وفي التَّرجمة إشارةٌ إلى أنَّ جميع ذلك لا يكره؛ لأنَّ من عمومه ما يكون في الخير المحض فلا يكره، وقيل: المراد أن يذكر في الحادثة عن العلماء أقوالاً كثيرةً، ثمَّ يعمل بأحدها من غير مرجِّح، أو يطلقها من غير تثبيتٍ ولا احتياط لبيان الرَّاجح.
          والنَّهي عن كثرة السُّؤال كما ذكر في الحديث يتناول الإلحاف في الطَّلب، والسُّؤال عمَّا لا يغني السَّائل، وقيل: المراد المسائل الَّتي نزلت فيها: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] وقيل: يتناول الإكثارَ من تفريع المسائل. ونقل عن مالك أنَّه قال: والله إنِّي لأخشى أن يكون هذا الَّذي أنتم فيه من تفريع المسائل. ومن ثمَّة كَرِهَ جماعةٌ من السَّلف السُّؤال عمَّا لم يقع لما يتضمَّن من التَّكلف في الدِّين والتَّنطع، والرَّجم بالظَّنِّ من غير ضرورةٍ. وقيل: المراد بالنَّهي عن كثرة السُّؤال في المال. وقيل: المراد: كثرة السُّؤال عن أحوال النَّاس وما في أيديهم، أو عن أحداث الزَّمان وما لا يغني السَّائل، ويقال: إنَّه بعيد لأنَّه دخل في قوله: «نهى عن قيل وقال»، والله تعالى أعلم.