نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث سهل: اللهم لا عيش إلا عيش الآخره

          6414- (حَدَّثَنِي) بالإفراد، وفي رواية أبي ذرٍّ: <حدَّثنا> (أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ) بكسر الميم وسكون القاف وبعد الدال المهملة ألف فميم، العجلي، قال: (حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ) بضم الفاء وفتح الضاد مصغراً (ابْنُ سُلَيْمَانَ) النُّمَيري _بضم النون وفتح الميم بعدها تحتية ساكنة_ مصغراً، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن دينارٍ، قال: (حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ) ☺ قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم بِالخَنْدَقِ) كذا في رواية أبي الوقت، وفي رواية غيره: <في الخندق> (وَهْوَ) أي: رسول الله صلعم (يَحْفِرُ) بكسر الفاء (وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ) وزاد في «المناقب» [خ¦3797]: ((على أكتادنا)) وفسَّر ثمَّة بما بين الكاهل والظَّهر، فإن قيل: تقدَّم في «فضل الأنصار»: خرج رسول الله صلعم وهم يحفرون [خ¦4098]. فالجواب: أنَّه يجمع بينهما بأن يقال: كان منهم من يحضر مع النَّبي صلعم ، ومنهم من كان ينقلُ التُّراب.
          (وبَصُر) بفتح أوله وضم الصاد المهملة، كذا في رواية أبي ذرٍّ عن الحموييِّ والمستملي، وفي رواية الكُشميهني: <ويَمُرُّ> من المرور (بِنَا) أي: رسول الله صلعم (فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ. فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ) وفي الرَّواية الأولى: ((فأصلح الأنصار)) [خ¦6413] وهذه: ((فاغفر))، وفي أخرى: ((فأكرم)) [خ¦2961] وتقدَّم في غزوة الخندق بلفظ: ((فاغفرْ للمهاجرين والأنصار)) [خ¦4098]، والألفاظ المنقولة في ذلك / بعضها موزونٌ، وأكثرها غيرُ موزونٍ، ويمكن ردُّه إلى الوزن بضربٍ من الزَّحاف، وهو غير مقصودٍ إليه بالوزن، فلا يدخل في الشِّعر، وفيه إشارةٌ إلى تحقيرِ عيش الدُّنيا لما يعرضُ لها من التَّنغيص والتَّكدير وسرعة الفناء والزَّوال، وقد سبقَ الحديث في «مناقبِ الأنصار» [خ¦3797].
          قال ابنُ المنُيِّر: مناسبة إيراد حديث أنسٍ ☺ وسهل مع حديث ابن عبَّاسٍ ♥ الَّذي تضمَّنه التَّرجمة أنَّ النَّاس قد غُبِن كثيرٌ منهم في الصِّحة والفراغ لإيثارهم لعيش الدُّنيا على عيش الآخرة، فأرادَ الإشارة إلى أنَّ العيشَ الَّذي اشتغلوا به ليس بشيءٍ، بل العيش الَّذي شُغلوا عنه هو المطلوب، ومن فاته فهو المغبون.
          (تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم مِثْلَهُ) وهذا ثابتٌ في غير رواية أبي ذرٍّ ساقط فيها. قال صاحب «التلويح»: هذا يحتاج إلى نظرٍ، وقال غيره: هذا ليس بموجودٍ في نسخ البخاري فينبغي إسقاطه.