نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قوله عز وجل: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم}

          ░46▒ (بابٌ: قَوْلُهُ ╡) وفي نسخة: <تعالى>، وفي رواية أبي ذرٍّ: <باب> ({إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1]) أشار بهذه التَّرجمة إلى أنَّ ما ورد في بعض طرق الحديث الأوَّل [خ¦6530] أنَّه صلعم تلا هذه الآية عند ذكره الحديث.
          والزَّلزلة: الاضطراب، وأصله: من الزَّلل، وفي تكرير الزَّاي فيه تنبيهٌ على ذلك، والسَّاعة في الأصل: جزءٌ من الزَّمان، واستعير ليوم القيامة، كما تقدَّم في «باب سكرات الموت» [خ¦6511]. وقال الزَّجاج: معنى السَّاعة: الوقت الذي فيه القيامة سمِّيت ساعةً؛ لوقوعها بغتةً أو لطولها أو لسرعة الحساب فيها أو لأنَّها عند الله خفيفةً مع طولها على النَّاس.
          و{زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} [الحج:1]: تحريكها للأشياء، على الإسناد المجازيِّ، أو تحريك الأشياء فيها، فأضيفتْ إليها إضافةً معنويةً بتقدير «في»، أو مِنْ إضافة المصدر إلى الفاعل، والمحذوف المفعول وهو الأرض، يدلُّ عليه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1]. وقيل: هي زلزلةٌ تكون قُبيل طلوع الشَّمس من مغربها، وإضافتها إلى السَّاعة؛ لأنَّها من أشراطها.
          وقوله: ({شيءٌ عظيمٌ} [الحج:1]) أي: هائل، ومفهومه: جواز إطلاق الشَّيء على المعدوم؛ لأنَّ الزَّلزلة لم تقع بعدُ، ومن منع إيقاعه على المعدوم قال: جعل الزَّلزلة شيئاً؛ لتيقُّن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود ({أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النجم:57]) دنت السَّاعة الموصوفة بالدُّنو ({اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1]) من الأَزف _بفتح الزاي_ وهو القرب، يقال: أزف الوقت وحان الأجل؛ أي: دنا وقرب، وسمِّيت السَّاعة آزفةً؛ لقربها أو لضيق وقتها، واتَّفق المفسِّرون على أنَّ معنى أزفت: دنت أو اقتربت.
          وقال ابن كيسان: في الآية؛ أي: الثَّانية تقديمٌ وتأخيرٌ؛ أي: انشقَّ القمر واقتربت السَّاعة، وقيل: معناه: وسينشقُّ القمر، والله تعالى أعلم.