نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من جاهد نفسه في طاعة الله

          ░37▒ (بابُ) فضل (مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ) ╡، والمراد بالمجاهدةِ: كفُّ النَّفس عن إرادتها ممَّا يشغلها بغير العبادة. وقال ابن بطَّال: جهاد المرء نفسهُ هو الجهادُ الأكبر، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:41] أي: إن علم أنَّ له مقاماً يوم القيامةِ لحساب ربِّه، ونهى نفسه الأمَّارة بالسُّوء عن الهوى المردَّي؛ أي: زجرها عن اتِّباع الشَّهوات فضلاً عن المعاصي، وزجرها عن الإكثار من الشَّهوات المباحةِ لتتوفَّر لها في الآخرة، ولئلَّا تجرُّه الشَّهوات إلى الوقوع في الحرام، فالمجاهدةُ تزيل الأخلاق الذَّميمة، وتحصِّل الأخلاق الحميدة، قال اللهُ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] أي: مناهجنا الحميدة.
          ونقل القشيريُّ عن شيخه أبي عليٍّ الدَّقاق: من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة، لم يجد من هذه الطَّريقة شمَّة، وعن أبي عَمرو بن بُجيد: من كَرُم عليه دينه هانَت عليه نفسه.
          وقال القشيريُّ: أصلُ مجاهدة النَّفس؛ فطمها عن المألوفاتِ، وحملُها على خلافِ هواها في عموم الأوقاتِ. وقال أبو عليٍّ الدَّقاق: من زين ظاهرهُ بالمجاهدةِ حسَّن الله سرائرهُ بالمشاهدةِ، والله الموفِّق.