التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط

          ░51▒ بابُ الخِتَانِ بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ.
          6297- ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          أحدها: حديث سعيدِ بن المسيَّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺، عن رسول الله صلعم: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ).
          6298- ثانيها: حديث أبي الزِّنَاد عن الأعرجِ عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّه صلعم قال:
          (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالقَدُومِ). مخفَّفَةً.
          وحدَّثنا قُتَيبةُ، حدَّثنا مُغِيرةُ، عن أبي الزِّنَاد، وقال: (بالقدُّوم) مشدَّدةً.
          6299- 6300- ثالثها: حديث إسرائيلَ عن أبي إسحاقَ عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رسول الله صلعم؟ قَالَ: (أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ).
          قال أبو عبد الله: القدُوم بالتخفيف موضعٌ، والقدُّوم بالتَّشديد قدُّوم النَّجَّارين.
          وقال ابن إدْرِيْسَ عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ: (قُبِضَ النَّبِيُّ صلعم وَأَنَا خَتِينٌ).
          الشَّرح: (الكِبَر) في الترجمة بفتح الباء وكسر الكاف مصدر كَبِر يَكْبَرُ كِبَرًا _أي: أسنَّ_ ومَكْبِرًا بكسر الباء، قال الإسماعيليُّ: وقولُ مَن قال: ((وكانوا إلى آخره))، لا يُدرى مِن قولِ إسرائيلَ أو أبي إسحاقَ أو مَن بعدَهم، وسلف معنى الفِطْرة [خ¦247].
          والخِتَانُ واجبٌ عندنا على الرِّجال والنِّساء على أظهر الأقوال.
          ثانيها: سنَّةٌ فيهما. ثالثها: أنَّه واجِبٌ على الرِّجال دون النِّساء.
          والثاني قول مالكٍ والكوفيِّين؛ لقوله: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ) فذكر الخِتَان، والفِطْرة: السُّنَّة لأنَّهُ صلعم جعلها مِن جملة السُّنن فأضافها إليها، كذا احتجَّ به ابن القصَّار.
          ورُوي مرفوعًا: ((الخِتَانُ سُنَّةٌ للرِّجال مَكْرُمَةٌ للنِّساء)) قلتُ: هو ضعيفٌ، ولَمَّا أسلم سَلْمانُ لم يأمره الشارع بالاختتانِ ولو كان فرضًا لم يترك أمرهُ بذلك، واحتجَّ الشَّافعيُّ بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:123] وكان مِن ملَّتِهِ الخِتَان لأنَّه ختنَ نفسَهُ بالقَدُومِ كما سلف [خ¦3356]، وقد يُقال: أصل الملَّة: الشَّريعة والتَّوحيد.
          وقد ثبتَ أنَّ في مِلَّةِ إبراهيمَ فرائض وسُننًا، فيجوز أن يكون الخِتَانُ مِن السُّنن.
          والفِطْرة فِطْرَةُ الإسلام وهي سُنَنُها وهي الفِعْلة، مِن قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:1] يعني: خالقُهما، وهي علامةٌ لمن دخل في الإسلام، فهي مِن شعائر المسلمين.
          وقال القزَّازُ: الأَوْلى المرادُ بالفِطْرة هنا ما جَبل الله الخَلَق وطباعهم عليه، وهو كراهةُ ما في جسمِهِ ممَّا ليس مِن زينته.
          فَرْعٌ: اختُلف في وقت الخِتَان، فعندنا بعد البُلُوغ ويُستحبُّ في السابع مِن الولادة اقتداءً برسول الله صلعم في الحسن والحسين، فإنَّه ختنَهما يوم السَّابع مِن ولادتهما، رواه الحاكمُ في «مستدركه» مِن حديث عائِشَةَ، وقال: صحيح الإسناد.
          وقال اللَّيثُ: الخِتَانُ للغلام ما بين السَّبع سنين إلى العشر، وقال مالكٌ: عامَّة ما رأيت الخِتَان ببلدنا إذا ثُغِرَ، وقال مَكْحُولٌ: إنَّ إبراهيمَ خليلَ الرَّحمن ختنَ ابنَهُ إسحاقَ لسبعة أيَّامٍ، وختنَ ابنَهُ إسماعيلَ لثلاث عشرة، ورُوي عن أبي جعفرٍ أنَّ فاطِمَةَ كانت تَخْتِنُ ولدَها يومَ السَّابع، وكره ذلك الحسنُ البصرِيُّ ومالكُ بن أنسٍ خلافًا لليهود، قال مالكٌ: والصَّواب في خلافهم. وقال الحسنُ: هو خطرٌ، وهو وجهٌ عندنا.
          قال المهلَّبُ: وليس اختتانُ إبراهيمَ بعد ثمانين سنةً ممَّا يُوجب علينا مثل فعلِهِ، إذ عامَّةُ مَن يموتُ مِن النَّاس لا يبلغ الثمانين، وإنَّما اختتنَ إبراهيمُ وقتَ أُوحي إليه بذلك وأُمِر به فَفَعلَ. والنَّظر يدلُّ أنَّه ما كان ينبغي إلَّا قُربَ وقتِ الحاجة لاستعمال ذلك العضوِ بالجِمَاعِ، كما اختتن ابن عبَّاسٍ عند مُنَاهزةِ الاحتلام وقال: (كَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ) لأنَّ الخِتَانَ تنظيفٌ لِمَا يجَّمَعُ مِن الوُضُوء تحتَ الغُرْلَة، ولذلك _والله أعلم_ أمرَ بقطعِها واختتانُ النَّاسِ في الصِّغرِ _والله أعلم_ لتسهيلِ الألم على الصغير لضَعْفِ عَضْوه وقلَّة فهمِهِ.
          فائدة: مَن خفَّف القَدُوم أراد الحَدِيدةَ التي اختتن إبراهيمُ بها، ومَن شدَّد فهو المكان، وقد يجوز أن يجتمع له الأمران، ذكره أجمعَ ابنُ بطَّالٍ.
          أخرى: (الاسْتِحْدَادُ) حَلْقُ العانِةِ والأَرْفَاغِ بالحديدِ وهو اسِتِفْعَالٌ مِن الحَدِيد، وعن الأصمعيِّ: استحدَّ الرجل إذا نَّوَّرَ ما تحتَ إزاره. وهو خلاف المعروف.
          و(تقليمُ الأظفارِ): قصُّها.
          وعبارة ابن التِّين: ما يَنْجُرُ به مخفَّف، قال الجَوْهَرِيُّ: ولا تشديدَ ومَن شدَّد قال: موضعٌ.
          قال الهَرَوِيُّ: يُقال: هو مَقِيلُ إبراهيمَ ◙، وقيل: قريةٌ بالشام، وقال الدَّاوديُّ: من شدَّد يقول: بالفأس الصغير.
          وقول ابن بطَّالٍ: وقد يجتمع له الأمران، يعني به قَدُوم الذي يُنجَرُ به في القَدُوم الذي هو موضع.
          فائدة: قوله: (وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ) يُقال: ختَنَه / يخْتِنُه ويختُنُه، ذكره القزَّاز، والخِتَانُ: ما ينتهي إليه القَطْعُ مِن الصَّبِيِّ والجارية، ومعنى: أدرك: بلغَ، قال الدَّاوديُّ: والذي هنا في سنِّ ابن عبَّاسٍ صحيحٌ، وقيل: توفِّى رسول الله صلعم وهو ابن عشر سنين، وهو أصحُّ.
          وقوله: (وَأَنَا خَتِينٌ): أي: مختونٌ، كقَتِيلٍ بمعنى: مقتول.