التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أجاب بلبيك وسعديك

          ░30▒ بابُ مَن أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيكَ.
          6267- ذكر فيه حديث قَتَادَةَ، عن أنسٍ ☺ عن معاذٍ ☺ قال: (أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا).. الحديث.
          6268- وحديث الأعمشِ، حدَّثنا زيدُ بن وَهْبٍ، حدَّثنا _والله_ أبو ذرٍّ بالرَّبَذَةِ قال: (كنْتُ أَمْشِي مَعَ رسول الله صلعم فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا، يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ) إلى أن قال: (ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ...) الحديث.
          وفي آخره: قلتُ لزيدٍ: إنَّهُ بلغني أنَّه أبو الدَّرداء، فقال: أشهدُ لحدَّثَنِيهِ أبو ذرٍّ بالرَّبَذَةِ.
          قال الأعمشُ: وحدَّثني أبو صالحٍ، عن أبي الدَّرداءِ نَحْوَهُ.
          وقال أبو شهابٍ، عن الأعمشِ: (يَمْكُثُ عِنْدِي فَوْقَ ثَلاَثٍ).
          الشَّرح: (أبو ذَرٍّ): اسمه جُنْدَبُ بن جُنَادَةَ _وقيل: بُرَيْرٌ_ بن جُنَادةَ بن سُفْيَان بن عُبَيدِ بن حَرَامِ بن غِفَارَ بن مُلَيْلٍ بن ضَمْرةَ بن بكرِ بن عبد مناةَ بن كِنَانَةَ، مات سنة اثنتين وثلاثين بالرَّبَذَةِ.
          و(أبو الدَّرْدَاء): اسمه عُوَيْمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عائِشَةَ بن أميَّةَ بن مالكٍ بن عامرِ بن عديِّ بن كعب بن الخَزْرجِ بن الحارِثِ بن الخَزْرجِ بن حارثَةَ، مات بدمشقَ سنة اثنتين وثلاثين أيضًا، وله عَقِبٌ بالشام، شهد فتح مِصر.
          و(أبو شِهَابٍ): اسمه عبدُ ربِّه بن نافعٍ الحنَّاطُ المَدَائنيُّ، أصله كُوفيٌّ، مات بالموصل، وقيل: ببلد سنة إحدى _وقيل اثنتين_ وسبعين ومئةٍ، روى له الجماعة.
          وأَرْصُدُهُ: _بضمِّ أوَّلهِ_ مِن أَرْصَدَ، أي: أعدَّ، قال تعالى: {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ} [التوبة:107] وَرَصَد: ثلاثيٌّ، أي: ندب.
          وقوله فيه: (ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ فَقُمْتُ) أي: تثبَّتُ في موضعي، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:20]
          ومعنى (لَبَّيْكَ) إلبابٌ بعد إلبابٍ أي: إقامةٌ بعد إقامةٍ.
          وقال ابن الأنبارِيِّ: أنا مقيمٌ على طاعتك مِن قولهم: لبَّ بالمكان، وألبَّ به: / إذا أقام.
          ومعنى: (سَعْدَيْكَ) مِن الإسعاد أو المبالغة، وقال غيرُهُ: معنى لبَّيْكَ: إجابةٌ بعد إجابةٍ، وسعديك: إسعادًا لك بعد إسعادٍ، وبه جزم ابن التِّين، قال المهلَّبُ: والإجابةُ (بنعم) وكلُّ ما يُفهم منه الإجابة كافٍ، ولكن إجابة السيِّدِ والشريف بالتلبيَّةِ والإسعاد أفضلُ.
          فَصْلٌ: وقوله: (مَا حَقُّ اللهِ على العباد) إلى قوله: (مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ) المراد به التأكيد لا الإيجاب، وإن ادَّعاه المرْجِئةُ واللهُ لا يجب عليه شيءٌ لعباده، وهذا اللفظ خرج مخرج التزاوج والتَّقابُل لِمَا تقدَّم مِن ذكر حقِّ الله تعالى على العباد كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] فسمَّى الجزاء على السيِّئةِ باسم السِّيئة، فكذلك هنا، وإنَّما المعنيُّ به إنجاز وعده مِن أن يُدخلهم الجنَّةَ.
          وسيأتي هذا المعنى بزيادة في كتاب الاعتصام في باب قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7].