التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إفشاء السلام

          ░8▒ بابُ إِفْشَاءِ السَّلامِ
          6235- ذكر فيه حديث البَرَاءِ ☺: (أَمَرَنَا النَّبيُّ صلعم بِسَبْعٍ) منها (إِفْشَاء السَّلام)، وقد سلف غير مرَّةٍ [خ¦5175] [خ¦5635].
          والشيبانيُّ في الإسناد هو أبو إسحاق سُلَيْمَانُ بن أبي سُلَيْمَانَ فيروزَ.
          قال الطَّبَرِيُّ: ومِن هذه السَّبع ما يكون بتركه عاصيًا وهو نصرُ الضَّعيف، وعونُ المظلوم، وإبرارُ المُقسِم، فهذه فرضٌ في كلِّ حالٍ، وذلك أنَّه صلعم قال: ((انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، وقال: ((إنَّ المؤمنين جميعًا كالجسد الواحد)).
          وعلى المرء أن يسعى لصلاح كلِّ عضوٍ مِن أعضاء جسده سعيَهُ لبعضها، فكذلك عليهم في إخوانهم في الدِّين، وشركائهم في الملَّة وأنصارهم على الأعداء مِن نصرِهم وعونهم مثلَ ما عليهم ذلك في أنفسهم لأنفسهم إذ كان بعضهم عونًا لبعض، وجميعهم يدٌ على العدُوِّ، ولذلك خاطبهم ربُّنا في كتابه فقال: ({وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}) [النساء:29]، إذ كان القاتل منهم غيرَه بمنزلة القاتل نفسَه، ولم يقل لهم: لا يقتل بعضكم بعضًا؛ إذ كان المؤمن لأخيه المؤمن بمنزلة نفسه في التعاون على الذِّكْر والتقوى، يُؤلِمُ كلَّ واحدٍ منهما ما يؤلم الآخر، أَلَا ترى أنَّ الله تعالى نهى المؤمنين أن يلمِزَ بعضهم بعضًا، وأن يتنابزوا بالألقاب، قال تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] جعل اللامزَ أخاه لامزًا نفسه؛ إذ كان أخوه بمنزلة نفسه، ومعلوم أنَّه لا أحدَ صحيحَ العقل يلمزُ نفسه، فعُلم أنَّ معناه: لا يلمِزُ أحدُكم أخاه المؤمن. وإنَّما الإبرار بقوله: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89].
          ومنها ما يكون بتركه غير عاصٍ، وهو ابتداءُ السَّلام والعيادة، ومنها ما يكون فرضًا في بعض الأحوال وفضلًا في بعضها، وهو شهودُ الجنازة إذا لم يكن لها قيِّمٌ أو يكون ولا يُستغنى عن حضوره إيَّاها، وتشميتُ العاطس عند الحمد فهو فرض كفايةٍ على الجميع، كذا قال: وإنَّما هو سنَّةُ كِفَايةٍ.
          وأمَّا التي فرضٌ في بعض الأحوال دون بعضٍ وفضلٌ في بعضها فشهود جنازة الأخ المؤمن، والحال التي هو فيها فرضٌ إذا لم يكن لها قيِّم غيره كما مرَّ، وذلك أنَّ الذي يلزم مِن أمر موتى المسلمين للأحياء غسلُهم وتكفينُهم والصَّلاة عليهم ودفنُهم، وذلك فرضٌ على الكفاية، وأمَّا التي هو بفعلها محمودٌ وتركها غيرُ مذمومٍ فالسَّلام عليه إذا لقيَهُ، فإنَّ المبتدئَ أخاه بالسَّلام له الفضلُ كما سلف في المتهاجِرَين: ((وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلام)) [خ¦6077]، ومِن ذلك عيادته لأخيه إذا مرض، وإجابته إلى طعام إذا دعاه إليه، فإنَّ تارك ذلك تاركٌ للفضل لا تاركَ فرضٍ لإجماع الجميع على ذلك.
          قلت: كذا قال، والخلاف عندنا في وليمة العرس والأظهر الوجوب، وقد سلف جملةٌ مِن معنى هذا الحديث في الجنائز والمظالم والنِّكاح واللِّباس [خ¦5175] [خ¦5635].
          فَصْلٌ: سلف ذكْرُ (المَيَاثِر) [خ¦5175]، قال الجَوْهَرِيُّ: مِيثَرةُ الفَرَسِ: لِبْدَتُهُ، غيرُ مَهْمُوزٍ والجمعُ: مَيَاثِر ومَوَاثِرُ، قال أبو عُبَيدٍ: وأمَّا المَيَاثِرُ الحُمْرُ التي جاء فيها النَّهْيُ فكانت مِن مراكب الأعاجِمِ مِن دِيبَاجٍ أو مِن حَرْيرٍ، وعند الهَرَويِّ: في الحديث: ((نَهَى عن مِيثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ؛ صِبْغٌ أَحْمَرُ)).
          وقال ابن فارسٍ: المياثِرُ ثِيَابٌ حُمْرٌ كانت مراكبَ العَجَمِ.
          و(القسِّيُّ) سلف أنَّه بفتح القاف وكسرها، قال الجَوْهَرِيُّ: إنَّه ثوبٌ يُحمل مِن مِصْرَ يخالطه الحرير، وقال أبو عُبَيدٍ: هو منسوبٌ إلى بلاد يُقال لها: القَسُّ، قال: وقد رأيتُهَا، ولم يَعْرِفْهَا الأَصْمَعِيُّ، وقيل: هو القَزِّيُّ. أي: الإِبْرَيْسَم، أُبدلت مِن الزَّاي سينًا، وقال ابن فارسٍ: هي ثيابٌ يُؤتى بها مِن اليمنِ.