التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب زنا الجوارح دون الفرج

          ░12▒ بابُ زِنَا الجَوَارِحِ دُوْنَ الفَرْجِ.
          6243- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ ☻ (لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ)، وفي لفظ: (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ / أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ رسول الله صلعم: إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَو يُكَذِّبُهُ).
          معنى: كَتَبَ: قدَّرَ، فلا تخلُّصَ منه.
          وقوله: (وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ) احتجَّ به أشهبُ أنَّه إذا قال: زَنَى يدُك أو رِجْلُك أنَّهُ لا حدَّ عليه، وخالفه ابن القاسمِ، وقال الشَّافعيُّ إذا قال: زَنَت يدُك يُحدُّ، وقال بعض أصحابنا: لا يُحدُّ، قال الخطَّابيُّ: لأنَّ الأفعال مِن فاعلها تُضاف إلى الأيدي، كقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، ولم يُختَلف إذا قال: زَنَى فرجُكَ أنَّه يُحدُّ له.
          ومعنى: (لاَ مَحَالَةَ): لا حيلة للتخلُّص مِن إدراك ما كُتب عليه.
          فَصْلٌ: زِنا العين فيما زاد على النظرة الأولى التي لا تُملك ممَّا تستديم النَّظر إليه على سبيل اللَّذة والشهوة، وكذلك زنا المنطق ممَّا يُلتذُّ به مِن محادثةِ مَن لا يحلُّ له ذلك منه، وزنا النَّفس تمنِّي ذلك وتشهِّيه، فهذا كلُّه يُسمَّى زنًا، لأنَّه مِن دواعي زنا الفَرْج.
          قال المهلَّب: وكلُّ ما كتبه الله على ابن آدمَ فهو سابقٌ في عِلم الله، لا بدَّ أن يدركه المكتوبُ وأنَّ الإنسان لا يملك دفعَ ذلك عن نفسه غيرَ أنَّ الله تفضَّل على عباده وجعل ذلك لمَمًا وصغائرَ لا يطلب بها عبادَهُ إذا لم يكن للفَرْج تصديقٌ لها، فإذا صدَّقها الفرجُ كان ذلك مِن الكبائر؛ رفقًا مِن الله بعباده ورحمةً لهم، لِمَا جبلهم عليه مِن ضَعْف الخِلْقَة ولو آخذ عباده باللَّمَمِ، أو ما دونَهُ مِن حديث النَّفْس، لكان ذلك عدلًا منه في عباده وحكمةً، لا يُسأل عمَّا يَفْعلُ وله الحجَّةُ البالغةُ، لكن قَبِل منهم اليسيرَ وعفا لهم عن الكثير تفضُّلًا منه وإحسانًا.