التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المعانقة وقول الرجل: كيف أصبحت؟

          ░29▒ بابُ المُعَانَقَةِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
          6266- ذكر فيه حديث الزُّهريِّ عن عبدِ اللهِ بن كعبٍ، أنَّ ابن عبَّاسٍ أخبرهُ، (أنَّ عليًّا ☺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلعم؟، قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا...) الحديث.
          قد أسلفنا [خ¦1343] أنَّ البخاريَّ انفرد برواية الزُّهريِّ عن عبد الله بن كعبٍ عن الأئمَّة الخمسةِ، وقد روى الزُّهريُّ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالكٍ عن أبيه عن جدِّه، وكذلك مسلمٌ وهو الصحيح.
          وذكْرُ المعانقَةِ مَضْرُوبٌ عليه في أصل الدِّمْيَاطيِّ.
          وقال المهلَّبُ: ترجم بالمعانقة ولم يذكرها فيه، وإنَّما أراد أن يُدْخِل فيه معانقة رسول الله صلعم للحسنِ: ((أين لُكَعُ)) السَّالف مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ في باب: ما ذُكر في الأسواق، ((فجاءَ يشتدُّ حتَّى عانقه وقبَّله..)) الحديث [خ¦2122].
          ولم يجد له سندًا غير السَّند الذي أدخله به في غير هذا الباب، فمات قبل ذلك وبقي الباب فارغًا مِن ذكر المعانقة، وتحته بابٌ آخرُ: قول الرجل: كيف أصبحت؟ وأدخل حديث عليٍّ ☺ فلمَّا وَجَد ناسخُ الكتابِ الترجمتين متواليتين ظنَّهما واحدةً إذ لم يجد بينهما حديثًا، قال: وفي كتاب الجهاد مِن تتابع الأبوابِ الفارغةِ مواضعُ لم يدرك أن يُتمَّها بالأحاديث، ويوضِّح ذلك أنَّ في بعض الرِّوايات باب: المعانقة قول الرجل: كيف أصبحت؟ بغير واوٍ بينهما، فدلَّ على أنَّهما بابان جمعهما النَّاسخ.
          وقد اختلف النَّاس في المعانقة، فكرهها مالكٌ في المشهور عنه، وأجازها غيره، بل هو في رسالته لهارونَ أن يعانق قريبه يقدم مِن / سفره، لكن قال الشيخ أبو محمَّدٍ: وقيل: لم تثبت هذه الرِّسالة لمالكٍ.
          وفي «المعونَةِ»: كره المعانقة لأنَّها لم تَرِد عن النَّبيِّ صلعم ولا عن السلف، مع أنَّها مِن أخلاق العامَّةِ، إلَّا أن يكون مِن طول اشتياقٍ وقدومٍ مِن غيبته أو مع الأهل وشبه ذلك.
          ورُوِّينا بالإسناد إلى عليِّ بن يُونُسَ اللَّيثيِّ المدَنيِّ قال: كنتُ جالسًا عند مالكٍ إذ جاء سُفْيَان بن عُيَينةَ يستأذن الباب، فقال مالكٌ: رجلٌ صاحب سُنَّةٍ، أدخلوه، فدخل فقال: السَّلام عليكم ورحمة الله فردَّوا السَّلام، قال: سلامُنا خاصٌّ وعامٌّ السَّلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، فقال مالكٌ: وعليك السَّلام يا أبا محمَّدٍ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، فصافحه ثمَّ قال: يا أبا محمَّدٍ لولا أنَّها بِدعةٌ لعانقناكَ، قال سُفْيَانُ: عانقَ خيرٌ منك النَّبيَّ صلعم، قال مالكٌ: جعفرٌ؟ قال: نعم، قال: ذاك حديث خاصٌّ يا أبا محمَّدٍ، قال سُفْيَانٌ: ما يعمُّ جعفرَ يعمُّنا وما يخصُّ جعفرَ يخصُّنا إذ كنَّا صالحين، أتأذَنُ لي أن أحدِّث في مجلسكَ؟ قال: نعم حدِّثنا يا أبا محمَّدٍ، قال: حدَّثني عبد الله بن طَاوُسٍ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّه لَمَّا قدِم جعفرُ مِن أرض الحبشة اعتنقه النَّبيّ صلعم وقبَّل بين عينيهِ، وقال: جعفرُ أشبه النَّاس بي خَلقًا وخُلقًا.
          وروى عبد الرزَّاقِ عن سُلَيْمَانَ بن داودَ قال: رأيتُ الثَّورِيَّ ومَعْمَرًا حين التقيا احتضنا وقبَّل كلُّ واحدٍ منهما صاحبَهُ.
          وقد وردت في المعانقة آثارٌ: ذكر التِّرْمِذيُّ، عن ابن إسحاقَ، عن عُرْوةَ، عن عائِشَةَ ♦ قالت: قدم زيدُ بن حارثَةَ بالمدينةَ ورسول الله صلعم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلعم عُرْيَانًا يجرُّ ثوبه، والله ما رأيته عُرْيَانًا قبلَهُ ولا بعدَهُ فاعتنقَهُ وقبَّله.
          وروى سُلَيْمَان بن داودَ، عن عبد الحليم بن مَنْصُورٍ، عن عبد الملك بن عُمَيرٍ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرَّحمن، عن أبي الهيثم بن التَّيِّهَانِ أنَّه صلعم لقيَهُ فاعتنقَهُ وقبَّله، مِن حديث قاسمِ بن أصبَغَ، عن محمَّد بن غالبٍ، عن سُلَيْمَانَ به.
          فَصْلٌ: قال المهلَّب: وفي أخذ العبَّاسِ بيد عليِّ جوازُ المصافحة، وفيه: جواز قول الرجل يسأل عن حال العليل: كيف أصبحَ؟ وإذا جاز أن يُقال: كيف أصبحَ؟ جاز أن يُقال: كيف أصبحت؟ ولكن لا يكون هذا إلَّا بعد التحيَّة المأمورِ بها في السَّلام.
          فَصْلٌ: وقول العبَّاسِ: (أَلاَ تَرَاهُ، أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ ثَلاثٍ عَبْدُ العَصَا) يعني بقوله: (أَلاَ تَرَاهُ) مَيتًا، أي: فيه علامة الموت ثمَّ قال له: (أَنْتَ بَعْدَ ثَلاثٍ عَبْدُ العَصَا)، فيه: جواز اليمين على ما قام عليه الدليل.
          وفيه: أنَّ الخلافة لم تكن مذكورةً بعد رسول الله صلعم لعليٍّ أصلًا لأنَّه قد حلف العبَّاسُ أنَّه مأمورٌ لا أميرٌ لِمَا كان يعرف مِن توجيه رسول الله صلعم بها إلى غيره، وفي سكوت عليٍّ على ما قال العبَّاسُ وحَلَفَ عليه دليلٌ على عِلم عليٍّ بما قال العبَّاسُ أنَّه مأمورٌ مِن غيره، وما خشيه عليٌّ مِن أن يصرِّح رسول الله صلعم بصرف الخلافة إلى غير بني عبد المطَّلِبِ فلا يمكِّنهم أحدٌ بعدَهُ منها ليس كما ظنَّ والله أعلمُ، لأنَّه صلعم قال: ((مُروا أبا بكرٍ يُصَلِّي بالنَّاس)) فقيل له: لو أمرتَ عُمَرَ، فلم يَرَ ذلك ومنع عُمَرَ مِن التَّقديم، فلم يكن ذلك مُحرِّمَها على عُمَرَ بعدَه.
          وقوله: (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا) ضبطه بعضهم بمدِّ الهمزة أي: شاورناه، والذي قرأناه: (أمَرناه) مِن الأمر، مقصورٌ بغير مدٍّ، وفي «الصِّحاح»: آمرناه _بالمدِّ_: شاورناه.
          فَصْلٌ: قال الدَّاوديُّ: أصل كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ مِن طاعون عَمَوَاسَ، واستبعده غيره وقال: قال النَّاس لعليٍّ: كيف أصبح رسول الله صلعم؟ وكان ذلك قبل طاعون عَمَوَاسَ، قال: والعرب أيضًا كانت تقوله قبل الإسلام.