التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن

          ░14▒ بابُ إِذَا دُعِيَ فَجَاءَ، هَلْ يَسْتَأذِنُ؟
          وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (هُوَ إِذْنُهُ).
          وهذا أخرجه أبو جعفرٍ في «مشكله» عن أبي إبراهيمَ إسماعيلَ بن يحيى، عن المُعْتَمِر، عن ابن عُيَيْنَةَ، عن سعيدٍ به ثمَّ قال: وفي لفظٍ: ((إذا دُعي أحدُكم فجاء مع الرسول فذاك إذنٌ له))، قال: وحديث أبي هُرَيْرَةَ الآتي بعده لا تعارضَ فيه لأنَّ معنى الأوَّل أنَّ المرسِل فيه أتى مع الرسول / فأغناهُ سلامُ الرسول واستئذانه عن السَّلام والاستئذان لأنَّ المرسِلَ كما أرسله عنه فقد آذنه أن يجيئه به، فكان استئذانه استئذانًا له، فإذا دخل سلَّم سلام الملاقاة. ومعنى الحديث الثاني أنَّ أهل الصُّفَّةِ قدموا على رسول الله صلعم دون أبي هُرَيْرَةَ، فلم يكن لهم بدٌّ مِن السَّلام والاستئذان وذلك بيِّن لأنَّه قال: فجاؤوا، ولم يقل: فجئنا، فافترق المعنى بين الحديثين.
          6246- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ قال: (دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ، الحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا).
          قال المهلَّبُ: إذا دُعي وأتى مجيبًا لها ولم تتراخَ المدَّة، فهذا دعاؤه إذنُهُ، وإذا دُعي وأتى في غير حين الدعاء فإنَّهُ يستأذن، وكذا إذا دُعي إلى موضعٍ لم يعلم أنَّ به أحدًا مأذونًا له في الدخول أنَّه لا يدخل حتَّى يستأذن، فإن كان فيه آخرُ مأذونًا له قبلَهُ فلا بأسَ أن يدخل بالدَّعوة وإن تراخت الدَّعوة وكان بين ذلك زمنٌ يمكِّنُ الدَّاعي أن يخلوَ في أمره أو يتصدَّى لبعض شأنه، أو ينصرفَ أهلُ داره، فلا يَفْتَاتُ بالدعوة على الدخول حتَّى يستأذن لحديث أبي هُرَيْرَةَ، هذا وجه تأويل الحديثَين.
          وعبارة ابن التِّين: قوله: (إِذَا دُعِيَ فَهُوَ إِذْنُهُ) وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ أنَّهم استأذنوا، لعلَّ الأوَّل عَلِم أنَّه ليس عنده مَن يستأذن لأجله، والثاني يحتمل أن يكون دخل عليه، والأخذُ بالاستئذان أحوطُ.
          فَرْعٌ: اختُلف في استئذان الرَّجُل على أهله وجاريته فقال القاضي في «المعونة»: لا، لأنَّ أكثر ما في ذلك أن يصادفهما مكشوفتَين، وخالف في «تلقينِهِ» فعمَّم.
          فائدة: روى ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفِهِ» عن رِبْعيٍّ قال: حدَّثني رجلٌ أنَّه استأذن على رسول الله صلعم وهو في بيتٍ، فقال: أألجُ؟ فقال لخادمه: ((اخرج إلى هذا فعلِّمْهُ الاستئذان، وقلْ له: قلْ: السَّلام عليكم، أأدخُلُ؟)).
          وعن أبي أيُّوبَ قلتُ: يا رسول الله، هذا السَّلام، فما الاستئذان؟ فقال: ((يتكلَّمُ الرجل بتسبيحةٍ أو تكبيرةٍ أو تحميدةٍ أو يتنحنحُ ويُؤذِنُ أهلَ البيت)).
          وعن الحارث، عن عبد الله بن نُجَيٍّ، عن عليٍّ ☺: ((كان لي في زمن رسول الله صلعم مُدْخَلٌ بالليل ومُدْخَلٌ بالنَّهار، فكنتُ إذا أتيتُهُ وهو يصلِّي تنحنحَ لي)).
          وقال زيدُ بن أسلمَ: بعثني أبي إلى عبد الله بن عُمَرَ فقلت: أألجُ؟ فقال: لا تقل كذا، ولكن قل: السَّلام عليكم، فإذا قيل: عليكم، فادخل.
          وقال أبو الزُّبير: سألت جابرًا عن الرجل يستأذن عليَّ ولا يسلِّمُ آذنُ؟ فقال: أكرهُهُ والنَّاس يفعلونه.
          وقال أبو هُرَيرةَ: لا تَأذنوا حتَّى تُؤذنوا بالسَّلام. وقال ابن مسعودٍ: إذا دُعيت فهو إذنك، فسلِّم ثمَّ ادخل.
          وقال ابن يزيدَ استأذن رجلٌ على رجلٍ مِن الصَّحابة وهو قائمٌ على الباب فقال: أأدخلُ، ثلاث مرَّاتٍ، وهو ينظر فلم يأذن له، فقال: السَّلام عليكم أأدخلُ؟ قال: نعم، ثمَّ قال: لو أقمتَ إلى الليل وأنت تقول: أأدخلُ ما أذِنتُ لك.