التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا كانَوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة

          ░47▒ بابُ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِن ثَلَاثَةٍ فَلَا بَأْسَ بِالمُسَارَّةِ والمُنَاجَاةِ.
          6290- ذكر فيه حديث أبي وائلٍ، عن عبدِ اللهِ ☺ قال: قال رسول الله صلعم: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثنان دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ).
          6291- وحديث شقيقٍ عن عبدِ اللهِ ☺ قال: (قَسَمَ النَّبِيُّ صلعم قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لَآتِيَنَّ رسول الله صلعم، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي مَلَإٍ فَسَارَرْتُهُ، فَغَضِبَ...) الحديث، وقد سلف.
          وقوله: (أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ) أي: لأجلِ، هو إخبارٌ منه صلعم عن السبب في ذلك، وهو أنَّ الواحد إذا بقي فَرْدًا وتناجوا دونَهُ حَزِنَ لذلك إذ لم يُسَارُّوه فيها ولأنَّه قد يقعُ في نفسه أنَّ سرَّهم في مَضرَّته.
          قال «جامع المختصر»: نهى أن يتركوا واحدًا اجتنابَ سوءِ الظنِّ والحسدِ والكذبِ.
          قال الخطَّابيُّ: ابنُ حربٍ يقول: إنما يُكره ذلك في السَّفر لأنَّه مظنَّة التُّهمة، فيخاف الثالثُ أن يكونا قد ساقا إليه غائلةً أو مكروهًا، بخلاف أن يخصَّ جماعةً / وأمَّا مناجاة جماعةٍ دون جماعةٍ، فالجماعة على جوازه لأنَّ النَّاس معه يشركُونَهُ فيما أسرَّ عنهم فيزول الحَزَنُ، وفي بعض نُسخ ابن الجلَّابِ: وكذلك يُكره أن يتناجى جماعةٌ دون جماعةٍ، وفي بعضها: لا بأسَ به.
          وعن مالكٍ: لا ينبغي ذلك، وحديث فاطِمَةَ السَّالف دالٌّ على جوازه، وقيل: إذا سارَّا دون واحدٍ بإذنه فلا بأسَ، وقد سلف في الحديث [خ¦6288].
          وروى مالكٌ عن عبد الله بن دينارٍ قال: كان ابن عُمَرَ إذا أراد أن يُسارِرَ رجلًا _وكانوا ثلاثةً_ دعا رابعًا ثمَّ قال لاثنين: استأخِرا شيئًا، فإنِّي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((لا يتناجى اثنانِ دونَ واحدٍ)) وناجى صاحبَهُ، فإذا كانوا أكثرَ مِن ثلاثةٍ بواحدٍ جازت، وكلَّما كثُرت الجماعة كان أحسنَ وأبعدَ مِن التُّهمة والظِّنَّة، أَلَا ترى ابنَ مسعودٍ سارَّ رسول الله صلعم وهو في ملأٍ مِن النَّاس وأخبرَهُ بقول القائل.
          وروى أشهبُ عن مالكٍ أنَّه قال: لا يتناجى ثلاثةٌ دونَ واحدٍ لأنَّه قد نُهي أن يُترك واحدٌ، قال: ولا أرى ذلكَ ولو كانوا عشرةً أنْ يتركوا واحدًا.
          وهذا القول يُستنبط مِن هذا الحديث لأنَّ المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين له، وهو ما جاء في الحديث: ((حتَّى تَخْتَلِطوا بالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ))، وهذا كلُّه مِن حُسنِ الأدب وكرم الأخلاق لئلَّا يَتَبَاغَضَ المؤمنون ويتدابَرُوا.