التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: السلام اسم من أسماء الله تعالى

          ░3▒ بابُ: السَّلامُ اسمٌ مِن أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالى، / وقوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]
          6230- ثمَّ ساق حديث شَقِيقٍ عن عبدِ الله في التَّشهُّدِ فقال: (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ)، وقد سلف [خ¦831].
          قيل: إنَّ الآية في السَّلام إذا قال: سلامٌ عليك ردَّ عليه: وعليك السَّلام ورحمة الله، وإذا قال: السَّلام عليك ورحمة الله، ردَّ: وعليك السَّلام ورحمة الله وبركاته، وقيل: إنَّها في الهديَّةِ، عن مالكٍ: يرجع فيها ما لم تُقبض، وهو مذهبنا ومذهبُ أبي حنيفة، ومشهور مذهب مالكٍ _كما قال ابن التِّين_ أنَّها تلزم بالقول، وليس له رجوعٌ وإنَّما الحوزُ شرطٌ في صحَّتها.
          واحتُجَّ بهذه الآية على مَن قال: إذا سلَّم على جماعةٍ يردُّون جميعهم، وهم الكوفيُّون لأنَّ معناه أن يردَّ واحدٌ منهم مثلما يسلِّم واحدٌ، مثلما ابتدأت به مِن غير زيادةٍ لقوله: {أَوْ رُدُّوهَا}. وروى مالكٌ عن زيدِ بن أسلَمَ أنَّه صلعم قال: ((إذا سلَّم واحدٌ مِن القوم أجزأ عنهم)) وأنكر أبو يُوسُفَ مُرسلَ مالكٍ، واحتجَّوا بأنَّه لو ردَّ عنهم غيرُهم لم يَسقط ذلك عنهم، فدلَّ أنَّه يلزم كلُّ إنسانٍ بعينه، واستدلَّ مالكٌ والشَّافعيُّ مع ما سلف بقوله ◙: ((يسلِّمُ القليلُ على الكثير)) والردُّ سلامٌ عند العرب، وبإجماعهم أنَّ الواحد يسلِّمُ على الجماعة ولا يَحتاج إلى تكريره على عددهم، كذلك الردُّ، وإنكارهم لمرسَل مالكٍ لا وجهَ له لأنه لا مستندَ لهم في قولهم، والمصير إليه أولى مِن المصير إلى رأيٍ يُعارضه، وقد عَضَدَهُ ما أخرجه أبو نُعَيْمٍ الأصبهانيُّ في «كتابه» مِن حديث عبد الله بن الفضلِ عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ عن عليٍّ يرفعه: ((يُجزئ عن الجماعة إذا مرَّت أن يسلِّم أحدُهم، ويُجزي عن القعود أن يردَّ أحدُهم))، وأخرجه أبو داودَ مِن هذا الوجه وقال: ((الجلوس)) بدل ((القعود)) وهو هو.
          فَصْلٌ: وقوله: (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلام) يريد أنَّه اسمٌ مِن أسمائه، قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر:23] فمصداقُ هذا الحديث القرآنُ، والأسماء إنَّما تُؤخذ توقيفًا مِن الكتاب والسنَّة، ولا يجوز أن يُسمَّى الله بغير ما سمَّى به نفسَه، ولَمَّا كان السَّلامُ مِن أسمائه لم يجز أنْ يُقال: السَّلام على الله، وجاز أن يُقال: السَّلام عليكم لأنَّ معناه الله عليكم. والسَّلامُ أيضًا السَّلامة قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلام} [الأنعام:127] أي: السَّلامة، وهي: الجنَّة، والسَّلام: التَّسليم، والسَّلام: الشَّجر، وشجرٌ عِظَام واحدتها سَلَامةُ، والسَّلام: الإسلام، والسَّلامة: البراءةُ مِن العُيُوب.
          فَصْلٌ: قد أسلفنا أنَّ الابتداءَ به سنَّةٌ وردَّه فريضةٌ، وهو إجماعٌ، ومِن الدليل على كونه سنَّةً قوله في المتهاجِرَين: ((وخيرُهُما الذي يبدأ بالسَّلام))، وسلف أيضًا أنَّ الردَّ فرضُ كِفَايةٍ، وهو داخلٌ في معنى قوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]؛ لأنَّه ردَّ عليه مثل قوله، وشبَّهوه بالتَّشميت أي: في كونه سنَّةَ كفايةٍ، نعم هو كالجهاد، وطلب العلم، ودفن الموتى، وإنَّ الكوفيِّين ذهبوا إلى أنَّ الردَّ فرضُ عينٍ على كلِّ واحدٍ، قالوا: والسَّلام خلاف ردِّه، نعم قد يكون مِن السُّنن ما يسدُّ الفرض كغُسل الجمعة يُجزئ عن غُسل الجنابة عند جماعةٍ مِن العلماء، وكغَسل اليدين قبل الوضوء يجزئ عن غَسلهما مع الذِّراعين في الوُضُوء في قول عطاءٍ.
          فَصْلٌ: قد أسلفنا أنَّ تشهُّدَ ابن مسعودٍ هذا أخرجه مسلمٌ أيضًا مع باقي الأربعة، وأخذ به أحمدُ والكوفيُّون، وأخذ الشَّافعيُّ بتشهُّدِ ابن عبَّاسٍ وهو مِن أفراد مسلمٍ، وأخذ مالكٌ بتشهُّدِ عُمَرَ ☺ وادَّعوا أنَّه يجري مجرى التواتر لتعليمه النَّاسَ على المنبر بحضرة جماعةٍ مِن الصَّحابة وأئمة المسلمين ولم يُنكر عليه أحدٌ.
          فصل: (التَّحياتُ): السَّلام أو البقاء، و(الصَّلوات) قال ابن حبيبٍ: قيل: معناه لا يُراد بها غيرُ الله، و(الطَّيِّباتُ) طيِّبُ القولِ أو الأعمال الرَّابِية.
          فَصْلٌ: لم يُذكر في هذا الحديث هنا الصَّلاة على رسول الله فتحزَّبت المالكيَّةُ وقالوا: فيه ردٌّ على الشَّافعيِّ، وابن الموَّاز منهم، قالوا: واحتجاج الشَّافعيِّ بالآية، المراد: مرَّة في العمر، وبشَّعَ ثمَّ غلط فادَّعى أنَّ الشَّافعيَّ اختار تشهُّدَ ابن مسعودٍ والعجب أنَّ الصَّلاة ثابتةٌ فيه في الحديث الصحيح مِن طريقين، وفي الذِّهن أنِّي أسلفت ذلك [خ¦831].