التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه

          ░43▒ بابُ مَن نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمَن لَمْ يُخْبِرْ بسرِّ صَاحبِهِ، فإذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ
          6285- 6286- ذكر فيه حديث عائِشَةَ ♦ في إسراره لفاطِمَةَ فَبَكَتْ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا فَضَحِكَتْ وأفشتْهُ بَعْدُ.
          وفيه: ما ترجم له، وجواز مسارَّةِ الواحد بحضرة الجماعة، وليس ذلك مِن نهيه عن مناجاة الاثنين دون الواحد لأنَّ المعنى الذي يُخاف مِن ترك الواحد لا يُخاف في ترك الجماعة، وذلك أنَّ الواحد إذا تسارُّوا دونَهُ وقع بنفسه أنَّهُما يتكلَّمانِ فيه بما يسوؤه، ولا يتَّفِق ذلك في الجماعة، وهذا مِن حُسن الأدب وكرم المعاشرة.
          وفيه: أنَّه لا ينبغي إفشاء السرِّ إذا كانت فيه مضرَّةٌ على المُسرِّ لأنَّ فاطِمَةَ ♦ لو أخبرت بذلك في ذلك الوقت ما أخبرها به مِن قُرْب أجلِهِ لحزنَّ بذلك حزنًا شديدًا، وكذلك لو أخبرتهنَّ بأنَّها سيَّدةُ نساء المؤمنين لَعَظُمَ ذلك عليهنَّ واشتدَّ حزنهنَّ، فلمَّا أمنت بعد موته أخبرت بذلك، وفيه اجتماع أزواجه في بيتٍ واحدٍ في مرضه.
          ومعنى: (لَمْ تُغَادَرْ مِنهنَّ وَاحِدَةٌ): لم تترك أن تحضر، وفيه العزم بغير الله، قال في «المدوَّنة»: إذا قال: أعزُمُ عليك بالله إلَّا ما أكلْتَ، فلم يأكل، لا حِنْثَ على واحدٍ منهما بمنزلة: أسألُكَ باللهِ، فإن قال: أعزُمُ بالله إن فعلتَ، أرى ذلك لا شكَّ في كونه يمينًا.
          قال ابن حبيبٍ: ينبغي له أَلَّا يُحْنِثَهُ في: أعزُمُ عليك بالله إلَّا فعلتَ ما لم تكن معصيةً، وهو مِن باب قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1]. قال: يريد أن يسأل بالله وبالرَّحِم، فإن لم يفعل فلا كفَّارةَ على واحدٍ منهما.
          وقولها: (لَمَا أَخْبَرْتِنِي) يحتمل أن تكون اللامُ بمعنى إلَّا و(ما) زائدةٌ، هذا مذهب الكوفيِّين، ويحتمل أن تكون (ما) مشدَّدةً بمعنى: إلَّا، ذكره سيبويهِ وأنكره الجَوْهَرِيُّ.
          وقوله: (أَلاَ تَرْضَيْنَ...) إلى آخرِه، وفيه فَضْلُ فاطِمَةَ على عائِشَةَ، وقيل: ما رُئِيَت فاطِمَةُ بعد رسول الله حتَّى ماتت مبتسمةً إلَّا حين أُريَتِ النَّعْشَ كيف يُنصبُ عليها فتبسَّمت وقالت لمن أراها ذلك: سترتني ستركِ الله، وماتت بعد رسول الله صلعم بستَّةِ أشهُرٍ وقيل: ثلاثة أشهُرٍ: والأوَّل أثبتُ، ودُفنت ليلًا وصلَّى عليها العبَّاسُ.