التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يسلم على من اقترف ذنبًا

          ░21▒ بابُ مَن لم يُسَلِّم عَلَى مَن اقْتَرَفَ ذَنْبًا ولم يَرُدَّ سَلَامَهُ حتَّى تَتَبيَّنَ تَوْبَتُهُ، وإلى مَتَى تَتَبيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي؟
          وقال عَبْدُ اللهِ بن عَمْرٍو: لا تُسَلِّمُوا على شَرَبِةِ الخَمْرِ.
          6255- ثمَّ ذَكَر حديث كعبٍ حين تخلَّف عن تَبُوكَ ونهيه عن كلامهم. وفيه: (وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلعم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلام أَمْ لاَ؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ صلعم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الفَجْرَ).
          الشَّرح: (شَرَبَة) بفتح الشين والرَّاء، كأنَّه جمع شاربٍ مثل آكلٍ وأَكَلةٍ، ولم يجمعه اللُّغويون كذلك، وإنَّما جمعوه شاربٌ وشَرْب، مثل صاحبٍ وصَحْب، وجمع الشَّرْب: شُرُوب.
          وقوله: (وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي) ليس في ذلك حدٌّ محدودٌ، ولكن معناه / أنَّه لا تتبيَّن توبتُهُ مِن ساعتِهِ ولا يومِهِ حتَّى يمرَّ عليه ما يدلُّ على ذلك.
          وروى ابن وَهْبٍ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ قال: لو مررتُ على قوم يلعبون بالشِّطْرَنج ما سلَّمتُ عليهم، وكان سعيد بن جُبَير إذا مرَّ على أصحاب النَّردِ لم يُسلِّم عليهم.
          ورخَّص مالكٌ في السَّلام على مَن لم يُدمن اللَّعَب بها، وإنَّما يَلْعبُ بها المرَّة بعد المرَّة.
          قال الدَّاوديُّ: ليس ما كان مِن أمر كعبٍ وصاحبيهِ حدًّا لذلك؛ لأنَّه لم يوقِّت لهم ذلك في أوَّلِ الأمر، وإنَّما وقف عنه حتَّى شاء الله، وقد انتظر الوحي فليس يُعرف توبة أحدٍ أنَّها قُبلت.
          فَصْل: قوله: (كَملَتْ) هو مثلَّثُ الميم، قال في «الصِّحاح» والكسر أردؤها.
          فَصْل: المبتَدِعُ ومَن اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يتب منه فينبغي ألَّا يُسلَّم عليه ولا يُردَّ ◙، كما ذكره البخاريُّ وغيره مِن العلماء محتجَّين بقِصَّة كعبٍ، فإن اضطرَّ إلى السَّلام على الظَّلَمة سلَّم عليهم، وينوي أنَّ السَّلام اسمٌ مِن أسمائه تعالى، المعنى: الله عليكم رقيبٌ.
          قال المهلَّب: تركُ السَّلام على العصاة _بمعنى التأديب لهم_ سنَّةٌ ماضيةٌ لحديث كعبِ بن مالكٍ وصاحبيه _الثلاثة الذين خُلِّفوا_ وبذلك قال كثيرٌ مِن أهل العلم في أهل البِدع: لا يُسلَّم عليهم أدبًا لهم.
          وقد رُوي عن عليٍّ ☺ أنَّه قال: لا تسلِّمُوا على مُدمني الخَمْرِ، ولا على المسيء بأبويه، ذكره الطَّبَرِيُّ، وكذلك كان في قطع الكلام عن كعبٍ وصاحبيه حين تخلَّفوا وإظهار الموَجِدة عليهم أبلغُ في الأدب لهم، فالإعراض أدبٌ بالغٌ أَلَا ترى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34].