التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب آية الحجاب

          ░10▒ بابُ آيةِ الحِجَابِ.
          6238- ذكر فيه حديث أنسٍ ☺ (أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، مَقْدَمَ رَسُولِ اللهِ صلعم المَدِينَةَ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَشْرًا حَيَاتَهُ، وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ..) الحديث.
          6239- وحديث أبي مِجْلَزٍ _واسمه: لاحِقُ بن حُمَيدِ بن سعيدِ بن خالدِ بن كَثِيرِ بن حُبَيش بن عبدِ اللهِ بن سَدُوسِ بن شَيْبانَ بن ذُهل بن ثعلبَةَ السَّدُوسِيُّ البصرِيُّ، مات قبل الحَسَن بقليلٍ سنةَ تسعٍ ومئة_ عن أنسٍ ☺ قال: (لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلعم زَيْنَبَ، دَخَلَ القَوْمُ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قامَ مِنَ القَوْمِ وَقَعَدَ بَقِيَّةُ القَوْمِ، وَإِنَّهُ صلعم جَاءَ لِيَدْخُلَ، فَإِذَا القَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا...) الحديث.
          وفي آخره: (فألقى الحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وأنزلَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب:53]).
          6240- وحديث عائِشَةَ ♦: (كَانَ عُمَرُ ☺ يَقُولُ لرسول الله صلعم: احْجُبْ نِسَاءَكَ...) الحديث.
          وفيه: فَرْضُ الحِجَابِ على أُمَّهاتِ المؤمنين لقول عُمَرَ ☺: (احْجُبْ نِسَاءَكَ)، وقال في حديثٍ آخرَ: ((يا رسولَ الله، لَوْ حَجَبْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ))، يوضِّحهُ قول الفقهاء: إنَّ إحرامَ المرأة في وجهها وكفَّيها، وإجماعهم أن لها أن تُبرزَ وجهها للإشهاد عليها، ولا يجوز ذلك في أُمَّهاتِ المؤمنين.
          وقد اختلف السَّلف في تأويل قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] أهو الكُحلُ والخاتَمُ والخِضَاب والسِّوار والقُرْطُ والثِّياب، أو الوجهُ والكفَّانِ وهو الأظهر، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وابن عُمَرَ وأنسٍ / وهو قول مَكْحُولٍ وعَطَاءٍ والحَسَنِ، قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: فدخل في التفسير ما ذُكر، والظاهر _والله أعلم_ يدلُّ على أنَّه الوجه والكفَّان لأنَّ المرأة يجبُ عليها أن تسترَ في الصَّلاة ما عداه، وفيه دلالةٌ أنه يجوز للغرباء أن يروه مِن المرأة، والله أعلم بما أراد مِن ذلك، وسنعود إليه قريبًا في باب: مَن قام مِن مجلسه [خ¦6271].
          وقوله: (كُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الحِجَابِ): فيه أنَّه يجوز للعالِم أن يصفَ ما عنده مِن العلم لسائله عنه على وجه التعريف بما عنده منه، لا على سبيل الفخر والإعجاب.
          فَصْلٌ: قوله في الحديث الأوَّل: (أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَرُوسًا)، العَرُوس يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما، يُقال: رجلٌ عَرُوسٌ في رجالٍ عُرُسٍ، وامرأةٌ عَرُوسٌ في نِساءٍ عُرُس، والرَّهْط: ما دون العَشَرة ليس فيهم امرأةٌ، وفي روايةٍ: ((كانوا ثلاثة رجالٍ))، وفي أخرى: ((رجلين)).
          وقوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ) هي أُسْكُفَّةُ الباب، وهي بفتح التاء.
          فَصْلٌ: قوله في الحديث الثاني: (فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ) فيه أنَّه تهيَّأَ، وهو يريد قيامَهم، وفيه: أنَّه لم يستأذنهم حتَّى قاموا، وقوله في الآية: ({غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:53]) أي: متحرِّين نُضْجَهُ، ({وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}) أي: بعد الأكل، وقوله: ({وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ}) قال مَعْمَرٌ: قال طَلْحَةُ: إنْ مات رسول الله صلعم تزوَّجتُ عائشةُ، فنزلتْ.
          فَصْلٌ: قال الدَّاوديُّ: حديث سَوْدَةَ _يعني: الثالثَ_ ليس منها، إنَّما هو مِن لباس الجَلَابيبِ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59].
          و(المَنَاصِع): قال أبو سعيدٍ: هي المواضع التي يتخلَّون فيها للبول أو حاجة الإنسان، الواحد مَنْصَعٌ، قال الأزهريُّ: أراها مواضعَ خارج المدينة، قال: وفي الحديث أنَّ المَنَاصع بريفٍ أفيحَ خارجَها.
          (واحجُب نساءَك) بضمِّ الجيم.