التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ألقي له وسادة

          ░38▒ بابُ مَن أُلْقِيَ لَهُ الوِسَادَةُ.
          6277- ذكر فيه حديث عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو (أنَّه صلعم ذُكِرَ له صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ / عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ...) الحديث.
          6278- وحديث يحيى بن جعفرٍ، حدَّثنا يزيدُ عن شُعْبَةَ عن مُغِيرةَ _يعني: ابنَ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ_ عن إبراهيمَ _يعني: النَّخَعِيَّ_ عن عَلْقَمَةَ أنَّه قَدِمَ الشَّأم.
          وفي روايةٍ: ذهب علقمةُ إلى الشأم، فأتى المسجدَ فصلَّى ركعتين، إلى أن قال: (أليس فيكم الذي أجاره الله على لسان رسوله مِن الشيطان؟ _يعني عمَّارًا_ أوليس فيكم صاحب السِّواك والوِسَادِ؟ يعني ابنَ مسعودٍ...) الحديث.
          وشيخ البخاريِّ هو أبو زكريَّا، والده جعفرُ بن أَعْينَ أزْديٌّ بارِقيٌّ بُخاريٌّ بِيْكَنْدِيٌّ، مِن أفراده عن الخمسة، مات سنة ثلاثٍ وأربعين ومائتين روى عن يزيدَ بن هَارُونَ وغيره.
          فَصْلٌ: قال المهلَّب: فيه إكرام السلطان والعالِم وإلقاء الوسادة له._
          وفيه أنَّ السُّلطان والعالِم يزور أصحابَهُ، ويقصدهم في منازلهم، ويعلِّمُهم ما يحتاجون إليه مِن دينهم.
          وفيه جواز ردِّ الكرامةِ على أهلها إذا لم يُرِدْها الذي خُصَّ بها لأنَّه صلعم لم يجلس على الوِسَادةِ حين أُلقيتَ له وَجَلَسَ على الأرض.
          وفيه إيثار التَّواضع على الترفُّع، وحمل النَّفس على التذلُّل.
          وفيه أنَّ خَدَمة السُّلطان يجب أن يُعرَّف كلُّ واحد منهم بخطَّته.
          فَصْلٌ: المراد بالسرِّ _فيما قيل_ أنَّهُ صلعم أسرَّ إليه بأسماء سبعةَ عشرَ مِن المنافقين لم يُعلمهم لأحدٍ غيره، وكان عُمَرُ ☺ إذا مات مَن يشكُّ فيه رَصَدَ حذيفَةَ فإن خرجَ لجنازتِهِ وإلَّا لم يخرج.
          وقوله: (أَلَيس فيكم صاحب السِّواك والوِسَادةِ؟) يريد أنْ لم يكن له سِواهما جهازًا، وأعطاه إيَّاهما رسول الله صلعم، وفي غير هذا الموضع زيادة: ((صاحب السِّرَار)).
          قال الخطَّابيُّ: السِّوَادُ: السِّرَارُ، وهو ما رُوي عنه أنَّه صلعم قال له: ((إذنُكَ عليَّ أنْ يُرفع الحِجَابَ، وتسمع لسِوادي)) وكان صلعم يختصُّ عبد الله اختصاصًا شديدًا، لا يحجبه إذا جاء ولا يردُّه إذا سأله.
          قيل: وكان عَلْقَمةُ سيِّدَ تابعِيْ الكوفةِ، وكان مالكٌ يفضِّله على صحابةِ عبدِ اللهِ وكانت عائِشَةُ ♦ تفضِّل الأسودَ، وكان بعضهم يفضِّل أبا مَيْسَرةَ.
          فائدة: في مَنَاقِبِ عَمَّارٍ ما أخرجه ابن سعدٍ عن الحسن قال: قال عمَّارُ بن ياسِرٍ: ((قد قاتلتُ مع رسول الله الإنس والجنَّ، فقيل له: هذا قاتلتَ الإنس، فكيف قاتلتَ الجنَّ؟! قال: نزلنا مع رسول الله صلعم منزلًا فأخذتُ قِرْبَتي وَدَلْوي لأستقي، فقال لي رسول الله صلعم: أَمَا إنَّه سيأتيك مَن يمنعك مِن الماء فلمَّا كنتُ على رأس البئر، إذا رجلٌ أسودُ كأنَّه مَرَسٌ فقال: لا واللهِ لا تَسْتَقِي اليوم منها ذَنوبًا واحدًا، فأخذتُهُ وأخذني، فصرعتُهُ، ثمَّ أخذتُ حَجَرًا فكسرتُ به أنفَهُ ووجهَهُ، ثمَّ ملأت قِرْبَتي، فأتيتُ بها رسول الله صلعم فقال: هل أتاك على الماء مِن أحدٍ؟ فقلت: عبدٌ أسودُ. فقال: ما صنعتَ به؟ فأخبرتُهُ فقال: أتدري مِن هو؟ قلت: لا، قال: ذاك الشَّيطانُ جاء يمنعُكَ مِن الماء)).