عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب السواك
  
              

          ░73▒ (ص) بَابُ السِّوَاكِ.
          (ش) أي: هذا باب في بيان أحكام السواك, قال ابن سِيدَه: «السِّواك» يُذكَّر ويُؤنَّث، والسواك كالمِسواك، والجمع: سُوُك، وقال أبو حنيفة: ربَّما هُمِز, فقيل: سُؤُك، وأنشد الخليل لعبد الرَّحْمَن بن حسَّان ☻: [من المتقارب]
أغرُّ الثنايا أحمُّ اللِّثَا                      تِ [تَمنحُهُ] سُؤُكُ الإِسْحِلِ
          بالهمز، يقال: ساك الشيءَ سوكًا: دلَّكه, وساك فمَه بالعود واستاك مشتقٌّ منه، وفي «الجامع»: السواك والمسواك: ما يدلك به الأسنان مِنَ العود, والتذكير أكثر، وهو نفس العود الذي يُستاك به، وأصله: المشي الضعيف، يُقال: جاءت الغنم والإبل تستاك هزالًا؛ أي: ما تحرِّك رؤوسها، وفي «الصحاح»: يجمع على سُوُك؛ مثل: كتاب وكُتُب، ويُقال: ساك فمَه، وإذا لم يُذكَر الفم؛ يُقال: استاك.
          وهنا سؤالان: الأَوَّل: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله؟ والثاني: ما وجه ذكره بين الأبواب المذكورة ههنا؟
          الجواب عن الأَوَّل: أنَّ كلًّا منهما يشتمل على الإزالة، غير أنَّ الباب الأَوَّل يشتملُ على إزالة الدم، وهذا الباب يشتمل على إزالة رائحة الفم، وهذا القدرُ كافٍ, وعن الثاني ظاهرٌ، وهو أنَّ الأبواب كلَّها في أحكام الوضوء وإزالة النجاسات ونحوها، وباب السواك مِن أحكام الوضوء عند الأكثرين.
          (ص) قَالَ ابْنُ عَبَّاس ☻: بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم فَاسْتَنَّ.
          (ش) هذا التعليق ليس في رواية المُسْتَمْلِي، وهو قطعة مِن حديث طويل في قصَّة مبيت عبد الله بن عَبَّاس عند خالته ميمونة أمِّ المؤمنين ♦؛ ليشاهد صلاة النَّبِيِّ صلعم بالليل، وصله البُخَاريُّ مِن طرق، وتَقَدَّمَ بعضه, ويأتي الباقي إن شاء الله تعالى.
          قوله: (فَاسْتَنَّ) مِنَ الاستنان؛ وهو الاستياك، وهو دَلْكُ الأسنان وحكُّها بما يجلوها، مأخوذ مِنَ السَّنِّ؛ وهو إمرار الشيء الذي فيه خُشونةٌ على شيءٍ آخَرَ، ومنه: (المِسَنُّ) الذي يُشتَحَذ به الحديد ونحوُه, وقال ابن الأثير: الاستنان: استعمال السواك، «افتِعالٌ» مِنَ «الإسنان»؛ وهو الإمرار على شيء.