-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
باب لا تقبل صلاة بغير طهور
-
باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء
-
باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
-
باب التخفيف في الوضوء
-
باب إسباغ الوضوء
-
باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة
-
باب التسمية على كل حال وعند الوقاع
-
باب ما يقول عند الخلاء
-
باب وضع الماء عند الخلاء
-
باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه
-
باب من تبرز على لبنتين
-
باب خروج النساء إلى البراز
-
باب التبرز في البيوت
-
باب الاستنجاء بالماء
-
باب من حمل معه الماء لطهوره
-
باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء
-
باب النهي عن الاستنجاء باليمين
-
باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال
-
باب الاستنجاء بالحجارة
-
باب لا يستنجى بروث
-
باب الوضوء مرة مرة
-
باب الوضوء مرتين مرتين
-
باب الوضوء ثلاثا ثلاثا
-
باب الاستنثار في الوضوء
-
باب الاستجمار وترا
-
باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين
-
باب المضمضة في الوضوء
-
باب غسل الأعقاب
-
باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين
-
باب التيمن في الوضوء والغسل
-
باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة
-
باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان
-
باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين
-
باب الرجل يوضئ صاحبه
-
باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره
-
باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل
-
باب مسح الرأس كله
-
باب غسل الرجلين إلى الكعبين
-
باب استعمال فضل وضوء الناس
-
باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة
-
باب مسح الرأس مرة
-
باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة
-
باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه
-
باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة
-
باب الوضوء من التور
-
باب الوضوء بالمد
-
باب المسح على الخفين
-
باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان
-
باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
-
باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ
-
باب: هل يمضمض من اللبن
-
باب الوضوء من النوم
-
باب الوضوء من غير حدث
-
باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله
-
باب ما جاء في غسل البول
-
باب.
-
باب ترك النبي والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد
-
باب صب الماء على البول في المسجد
-
باب بول الصبيان
-
باب البول قائما وقاعدا
-
باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط
-
باب البول عند سباطة قوم
-
باب غسل الدم
-
باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة
-
باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره
-
باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها
-
باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء
-
باب الماء الدائم
-
باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته
-
باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب
-
باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر
-
باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه
-
باب السواك
-
باب دفع السواك إلى الأكبر
-
باب فضل من بات على الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░33▒ (ص) بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ.
(ش) أي: هذا بَابٌ في بيانِ الماءِ الذي يُغسَلُ به شعرُ بني آدمَ.
والمناسبةُ بينَ البابين مِن حيثُ إنَّ في الباب الأَوَّل التماسَ النَّاسِ الوضوءَ، ولا يُلتَمَس للوضوء إلَّا الماءُ الطَّاهرُ، وفي هذا الباب غسل شعرِ الإنسانِ، وشعرُ الإنسانِ طاهرٌ، فالماء الذي يُغسَل به طاهرٌ، فعلم أنَّ في كلٍّ مِنَ البابين اشتمالًا على حكمِ الماءِ الطَّاهرِ.
(ص) وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا: أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ.
(ش) هذا التَّعليق وصلَهُ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ الفاكهيُّ في «أخبار مكَّة» بسندٍ صحيحٍ إلى عطاء بن أبي رَبَاح: أنَّهُ كان لا يرى بأسًا بالانتفاع بشعورِ الناسِ التي تُحلَق بمنًى، ولم يقفِ الكَرْمَانِيُّ على هذا حَتَّى قال: الظاهر أنَّ عطاءً هو ابنُ أبي رَبَاحٍ.
قوله: (أَنْ يُتَّخَذَ) بفتح (أنَّ) بدلٌ مِنَ الضمير المجرور في (به)، كما في قوله: (مررتُ [به المسكينِ) أي: لا يَرى بأسًا باتِّخاذِ الخيوطِ مِنَ الشَّعَر، وفي بعض النُّسَخ لم يوجد لفظ (به)، وهو ظاهرٌ.
قوله: (الْخُيُوطُ) جمع (خيطٍ)، (وَالْحِبَالُ) جمع (حَبلٍ)، والفرق بينهما] بالرِّقَّة والغِلَظ، ويُروى عَن عطاءٍ أنَّهُ نجَّسَ الشَّعرَ، وقال ابن بَطَّالٍ: أرادَ البُخَاريُّ بهذه الترجمةِ ردَّ قولِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ شعرَ الإنسان إذا فارقَ الجسدَ نجسٌ، وإذا وقعَ في الماء؛ نجَّسه؛ إذ لو كان نجسًا؛ لما جاز اتِّخاذُهُ خيوطًا وحبالًا، ومذهبُ أبي حنيفة أنَّهُ طاهرٌ، وكذا شعرُ الميتة والأجزاء الصُّلبةِ التي لا دمَ فيها؛ كالقرنِ والعظمِ والسِّنِّ والحافرِ والظلف والخفِّ والشَّعَرِ والوبر والصوف والعصب والريش والأنفحة الصُّلبة، قاله في «البدائع»، وكذا مِنَ الآدميِّ، على الأصحِّ، ذكره في «المحيط» و«التُّحفة»، وفي «قاضيخان»: على الصَّحيح: ليست بنجسةٍ عندنا، وقد وافَقَنَا على صوفها ووبرِها وشعرِها وريشِها مالكٌ وأحمدُ وإسحاقُ والمزنيُّ، وهو مذهب عُمَر بن عبد العزيز والحسنِ وحمَّادٍ وداودَ في العظم أيضًا، وقال النَّوَوِيُّ في «شرحِ المُهذَّب»: حكى العبدريُّ عَنِ الحسنِ وعطاءٍ والأوزاعيِّ واللَّيث أنَّها تنجُس بالموت، لكن تطهر بالغسل، وعن القاضي أبي الطَّيِّب: الشعرُ والصوفُ والوبرُ والعظمُ والقرنُ والظِّلفُ تحلُّها الحياةُ وتنجُس بالموت، هذا هو المذهبُ، وهو الذي رواه المزنيُّ والبويطيُّ والربيع وحرملة عَنِ الشَّافِعِيِّ، وروى إبراهيمُ البلديُّ عَنِ المزنيِّ عنِ الشَّافِعِيِّ: أنَّهُ رَجَعَ عن تنجيسِ شعرِ الآدميِّ، وحكاه أيضًا الماورديُّ عن ابن سُرَيج عَنِ أبي القاسمِ الأنماطيِّ عَنِ المزنيِّ عنِ الشَّافِعِيِّ، وحكى الربيع الجيزيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أنَّ الشعر تابعٌ للجلدِ؛ يطهر بطهارته، وينجس بنجاسته، قال: وأَمَّا شعر النَّبِيِّ صلعم ؛ فالمذهبُ الصحيحُ القطعُ بطهارته، وقال الإسماعيليُّ: في الشعر خلاف؛ فإنَّ عطاءً يُروى عنه أنَّهُ نجَّسه.
قُلْت: يشير بذلك إلى أنَّ استدلالَ البُخَاريِّ بما روي عَن عطاءٍ في طهارة الماء الذي يُغسَلُ به الشَّعرُ نظرٌ، ثُمَّ قال: (ورأى ابنُ المبارك رجلًا أخذَ شعرةً مِن لحيته، ثُمَّ جعلها في فيه، فقال له: مَهْ، أتردُّ الميتةَ إلى فِيكَ؟!)، فأَمَّا شعرُ رسول الله صلعم ؛ فهو مكَّرمٌ معظَّمٌ خارجٌ عن هذا.
قُلْت: قول الماورديِّ: (وأَمَّا شعرُ النَّبِيِّ صلعم ؛ فالمذهبُ الصحيحُ القطعُ بطهارته) يدلُّ على أنَّ لهم قولًا بغير ذلك، فنعوذ بالله مِن ذلك القولِ، وقد اخترقَ بعضُ الشَّافِعِيَّة، وكاد أن يخرج عَن دائرة الإسلام؛ حيث قال: وفي شعر النَّبِيِّ وجهان، وحاشا شعر النَّبِيِّ صلعم مِن ذلك، وكيف يُقالُ هذا وقد قيلَ بطهارة فضلاته؛ فضلًا عن شعره الكريم؟!
وقد قال الماورديُّ: / إِنَّما قُسِّمَ شعرُه؛ للتبرُّك، ولا يتوقَّف التبرُّك على كونِهِ طاهرًا.
قُلْت: هذا أبشع من ذاك ! وقال كثير مِنَ الشَّافِعِيَّة نحوَ ذلك، ثُمَّ قالوا: لأنَّ القدرَ الذي أخذ كان يسيرًا معفوًّا عنه.
قُلْت: هذا أقبحُ مِنَ الكلِّ! وغرضُهم مِن ذلك تمشيةُ مذهبِهم في تنجيس شعرِ بني آدم، فلمَّا أُورِدَ عليه شعرُ النَّبِيِّ صلعم ؛ أوَّلوا هذه التأويلاتِ الفاسدةَ.
وقال بعض شرَّاح «البُخَاريِّ»: في بوله ودمه وجهان، والأليقُ الطهارةُ، وذكر القاضي حسينٌ في العَذرةِ وجهين، وأنكر بعضُهم على الغزاليِّ حكايتَهما فيها، وزعمَ نجاستَها بالاتِّفاق.
قُلْت: يا لَلغزاليِّ مِن هفواتٍ حَتَّى في تعلُّقات النَّبِيِّ صلعم ! وقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ أنَّ جماعةً شربوا دمَ النَّبِيِّ صلعم ، منهم أبو طَيْبةَ الحجَّام، وغلامٌ مِن قريش حجم النَّبِيَّ صلعم ، وعبد الله بن الزُّبَير شرب دم النَّبِيِّ صلعم ، رواه البَزَّار والطبرانيُّ والحاكم والبَيْهَقيُّ وأَبُو نُعَيْم في «الحلية»، ويروى عن عليٍّ ☺ أنَّهُ شرب دمَ النَّبِيِّ صلعم ، وروي أيضًا أنَّ أمَّ أيمنَ شربت بول النَّبِيِّ صلعم ، رواه الحاكم والدَّارَقُطْنيُّ والطبرانيُّ وأَبُو نُعَيْم، وأخرج الطبرانيُّ في «الأوسط» في رواية سلمى امرأة أبي رافع: أنَّها شربت بعضَ ماءِ غُسلِ رسولُ الله صلعم ، فقال لها: «حرَّم اللهُ بدنك على النَّار»، وقال بعضهم: الحقُّ أنَّ حكمَ النَّبِيِّ صلعم كحكم جميع المكلَّفين في الأحكام التكليفيَّة إلَّا فيما يُخَصُّ بدليلٍ.
قُلْت: يلزم من هذا أن يكون الناسُ مساويًا للنبيِّ صلعم ، ولا يقول بذلك إلَّا جاهلٌ غبيٌّ، وأين مرتبتُه مِن مراتب النَّاس؟ ولا يلزم أن يكون دليلُ الخصوص بالنقل دائمًا، والعقل له مدخلٌ في تميُّز النَّبِيِّ صلعم مِن غيره في مثل هذه الأشياءِ، وإنَّا اعتقدنا أنَّهُ لا يُقاس عليه غيرُه، وإن قالوا غير ذلك؛ فأُذُني عنه صمَّاءُ.
(ص) وَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ.
(ش) (وَسُؤْرِ الكِلَابِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (بابُ الماءِ)، والتقدير: وبابُ سؤرِ الكلابِ؛ يعني: ما حكمُه؟ وفي بعضِ النُّسَخِ جمَعُهما في موضعٍ واحدٍ، وفي بعض النسخ ذكر: <وأَكْلِها> بعدَ قوله: (وَمَمَرِّها في المَسْجِدِ)، وفي بعضِهَا ساقطٌ، وقصد البُخَاريُّ بذلك إثباتَ طهارة الكلب وطهارة سؤرِ الكلب، وقال الإسماعيليُّ: أرى أبا عبد الله نحا نحو تطهير الكلب حيًّا، وأباح سؤره بما ذكره مِن هذه الأخبارِ، وهي لَعَمري صحيحةٌ، إلَّا أنَّ في الاستدلال بها على طهارةِ الكلبِ نظرًا.
و(السُّؤر) بالهمز: بقيَّة الماء التي يبقيها الشارب، وقال ثعلبٌ: هو ما بقِيَ مِنَ الشراب وغيره، وقال ابن درستويه: والعامَّة لا تهمزه، وتركُ الهمزِ ليس بخطأ، ولكنَّ الهمز أفصحُ وأعرفُ، وفي «الواعي»: «السُّؤر» و«السَّأر» البقيَّة من الشيء، وقال أبو هلال العسكريُّ في كتاب «البقايا»: هو ما يبقى في الإناء مِنَ الشراب بعدَما يُشرَب، يقال منه: أسأر إسآرًا، وهو مُسْئِر، وجاء (سآَّر) بالتشديد في المبالغة.
(ص) وَقَالَ الزُّهْريُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ؛ يَتَوَضَّأُ بِهِ.
(ش) قول الزُّهْريِّ هذا رواه الوليدُ بنُ مسلم في «مُصنَّفه» عنِ الأوزاعيِّ، وغيرُه عنه، ولفظه: (سمعت الزُّهْريَّ في إناءٍ ولغَ فيه كلبٌ، فلم يجد ماءً غيرَه، قال: يتَوَضَّأ به)، وأخرجه ابن عبد البرِّ في «التمهيد» من طريقه بسندٍ صحيحٍ.
واسم (الزُّهْرِيِّ) مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (وَلَغَ) أي: الكلبُ، والقرينة تدلُّ عليه، وجاء في بعض الروايات: <إذا ولغ الكلب> بذكره صريحًا، و(ولغ) ماضٍ مِنَ الولغ؛ وهو مِنَ الكلابِ والسباع كلِّها، هو أن يُدخِلَ لسانه في الماء وغيره من كلِّ مائعٍ فيحرِّكه فيه، وعن ثعلبٍ: تحريكًا قليلًا أو كثيرًا، قاله المُطَرِّزيُّ، وقال مَكِّيٌّ في «شرحه»: فإن كان غيرَ مائعٍ؛ قيل: لعقه ولحسه، قال المُطَرِّز: فإن كانَ الإناءُ فارغًا؛ يقال: لحس، فإن كان فيه شيء؛ يقال: ولغ، وقال ابن درستويه: معنى «ولغ»: لطع بلسانه، شرب فيه أو لم يشرب، كان فيه ماءٌ أو لم يكن، وفي «الصحاح»: ولغَ الكلبُ بشرابنا وفي شرابنا ومِن شرابنا، وقال ابن خالويه: وَلَغَ يَلِغُ وَلْغًا / ووَلَغَانًا، ووَلَغَ ولْغًا ووَلَغًا وولغانًا وَوُلُوغًا، ولا يقال: ولغ في شيءٍ مِن جوارحه سوى لسانِهِ، وقال ابنُ جنِّي: الوَلْغُ في الأصل: شُرْبُ السباعِ بألسنتها، ثُمَّ كثُرَ فصار الشربَ مطلقًا، وذكر المُطَرِّزُ أنَّهُ يُقالُ: وَلِغَ؛ بكسر اللَّام، وهي لغةٌ غيرُ فصيحةٍ، ومستقبَلُه: يَلَِغُ؛ بفتح اللام وكسرها، وقال ابن القطَّاع: سكَّن بعضُهم اللَّام فقال: ولْغَ.
قوله: (لَيْسَ لَهُ) أي: لمَن أراد أن يتَوَضَّأ.
قوله: (وَضُوءٌ) بفتح الواو: أي: الماء الذي يُتَوَضَّأ به.
قوله: (غَيْرُهُ) أي: غيرُ ما ولغ فيه، ويجوزُ فيه الرفعُ والنَّصب، والجملة المنفيَّة حالٌ.
وقوله: (يَتَوَضَّأُ) جوابُ الشرط.
قوله: (بِهِ) أي: بالماء، وفي بعض النُّسَخ: <بها>، فيؤوَّل (الإناءُ) بالمِطهرة أو الإِداوة، فالمعنى: يتَوَضَّأ بالماء الذي فيها.
(ص) وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ؛ لقُولِ اللهُ ╡ : {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء:43]، وَهَذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ يَتَوَضَّأ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ.
(ش) (سُفْيَانُ) هذا هو الثَّوْريُّ؛ لأنَّ الوليدَ بنَ مسلمٍ لمَّا روى هذا الأثر الذي رواه الزُّهْريُّ؛ ذكر عقيبه بقوله: فذكرتُ ذلك لسفيانَ الثَّوْريِّ، فقال: هذا والله الفقهُ بعينه، [ولولا هذا التصريحُ؛ لكان المتبادَرُ إلى الذهن أنَّهُ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ؛ لكونه معروفًا بالرواية عَنِ الزُّهْريِّ دون الثَّوْريِّ.
قوله: (هَذَا الفِقْهُ بِعَينِهِ) ] أراد: أنَّ الحكمَ بأنَّه يتَوَضَّأ به هو المستفادُ مِن قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}[النساء:43]؛ لأنَّ قولَهُ: {مَاءً} نكرةٌ في سياق النَّفي، فتعمُّ ولا تخصُّ إلَّا بدليل، وسمَّى الثَّوْريُّ الأخذَ بدَلالة العمومِ فقهًا.
فَإِنْ قُلْتَ: لمَّا كان الاستدلالُ بالعموم فقهًا، وكان مذكورًا في القرآن؛ فَلِمَ قال: (وفي النَّفسِ مِنْهُ شَيءٌ) أي: دغدغةٌ، ولِمَ رأى التَّيمُّمَ بعدَ الوضوءِ به؟
قُلْت: ربَّما يكون ذلك لعدمِ ظهور دلالته، أو لوجود معارِضٍ له؛ إمَّا مِنَ القرآن أو غير ذلك؛ فلذلك قَالَ: (يتَوَضَّأُ بِهِ ويَتَيَمَّمُ) لأنَّ الماءَ الذي يشكُّ فيه كالمعدومِ.
وقال الكَرْمَانِيُّ ☼ : ولا يخفى أنَّ الواو بمعنى (ثُمَّ)، إذِ التيمُّم بعدَ التوضُّؤ قطعًا.
قُلْت: لا نُسلِّم ذلك، فإنَّ في هذا الموضِعَ لا يشترط الترتيب، بلِ الشَّرطُ الجمعُ بينهما، سواء قدَّم الوضوءَ أو أخَّره.
قوله ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}) هذا نصُّ القرآنِ، ووقع في رواية أبي الحسن القابسيِّ عن أبي زيدٍ المَرْوَزِيِّ في حكاية قولِ سفيانَ: <يقول الله تعالى: {فَإنْ لَم تَجِدُوا}[النساء:43]>، وكذا حكاه أَبُو نُعَيْم في «المستخرج على البُخَاريِّ»، وقال القابسيُّ: قد ثبت ذلك في «الأحكام» لإسماعيلَ القاضي؛ يعني: بإسنادِهِ إلى سفيانَ، قال: وما أعرفُ مَن قرأ بذلك.
وقال بعضهم: لعلَّ الثَّوْريَّ رواه بالمعنى.
قُلْت: لا يصحُّ هذا أصلًا؛ لأنَّه قلبَ كلامِ الله تعالى، والظاهرُ أنَّهُ سهوٌ، أو وقعَ غلطًا.