عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الاستنجاء بالماء
  
              

          ░15▒ (ص) بابُ الاِسْتِنْجاءِ بِالماءِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حُكمِ الاستنجاءِ بالماءِ، قال الخطَّابِيُّ: «الاستنجاءُ» في اللُّغَةِ: الذهابُ إلى النَّجوة من الأرضِ؛ لقضاءِ الحاجَةِ، و«النَّجوَةُ»: المُرتَفِعَةُ من الأرضِ، كانوا يستترونَ بها إذا قعدوا للتَّخَلِّي، وفي «المطالعِ»: «الاستنجاءُ»: إزالَةُ النَّجو؛ وهو [الأَذَى الباقِي في فَمِ المَخرج، وأكثرُ ما يُسْتَعْمَلُ في الماءِ، وقد يُسْتَعْمَلُ في الأحجارِ، وأصلُهُ مِن النَّجو؛ وهو] القَشْرُ والإزالَةُ، وقيل: مِن النَّجوَةِ؛ لاستتارِهم بِهِ، وقيل: لارتفاعِهم وتجافيهم عن الأرضِ عند ذلك، وقال الأزهريُّ عن شَمْرٍ: «الاستنجاءُ بالحجارَةِ» مأخوذٌ مِن نجوتُ الشَّجَرَةَ وأَنْجَيْتُها واستنجيتُها؛ إذا قَطَعْتَها؛ كأنَّهُ يَقْطعُ الأذى عنه بالماءِ أو بِحَجَرٍ يتَمَسَّحُ بِهِ، قالَ: ويُقال: اسْتَنْجَيْتُ العقبَ؛ إذا خَلَّصتَهُ من اللَّحْمِ ونقيَّتَه منه، وقال الجَوْهَريُّ: «اسْتَنْجَى»: مَسَحَ مَوضِعَ النَّجو أو غَسله، و«النَّجو»: ما يَخْرُجُ مِن البَطنِ، واستَنْجَى الوَتَرَ؛ أي: مَدَّ القَوسَ، وأصلُهُ: الذي يتَّخِذُ أوتارَ القِسيِّ؛ لأنَّهُ يُخرِجُ ما في المَصارِين مِن النَّجو، ويقال: أَنْجى؛ أي: أَحْدَثَ، ونجوتُ الجِلدَ من البعيرِ وأنجيتُه؛ إذا سَلَخْتَهُ، و«فلانٌ في أَرْضِ نَجاةٍ»: يَستنجي مِن شَجَرِها العِصيَّ والقِسيَّ، واستنجى النَّاسُ في كلِّ وَجهٍ؛ أي: أصابوا الرُّطَبَ، وقال الأصمعيُّ: استَنْجيتُ النَّخلَةَ؛ إذا التقطْتَ رُطَبَها، قال: ونجوتُ غُصونَ الشَّجَرِةِ؛ أي: قَطَعْتُها، وأنجيتُ غَيري، وقال أبو زيد: استنجيتُ الشَّجَرَ: قطعتُهُ مِن أصولِهِ، وأنجيتُ قَضيبًا مِن الشَّجَرة؛ أي: قطعتُ.
          وفي اصطلاحِ الفُقهاء: «الاستنجاءُ»: إزالَةُ النَّجو مِن أحدِ المَخْرَجين بالحَجَرِ أو بالماءِ.
          فإنْ قُلتَ: (الاستفعالُ) للطَّلَبِ، فيكون معناهُ طلبَ النَّجوِ.
          قلتُ: (الاستفعالُ) قد جاءَ أيضًا؛ لطلب المزيدِ فيه؛ نحوَ الاستعتابِ؛ فإنَّهُ / ليس بطلبِ العَتْبِ، بل لطلب الإعتابِ، والهمزَةُ فيه للسَّلْب، فكذا هذا لطلبِ الإنجاءِ، وتُجْعَلُ الهمزَةُ للسَّلْبِ والإزالَةِ.
          وجهُ المناسَبَةِ بين البابين ظاهرٌ لا يخفى.