عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إسباغ الوضوء
  
              

          ░6▒ (ص) بابُ إِسْباغِ الوُضُوءِ
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ إسباغِ الوضوءِ، و(الإسباغُ) مَصدَرُ (أسبغَ)، وثلاثيُّهُ مِن: سَبَغْتِ النِّعْمَةُ تَسبُغُ سُبُوغًا؛ أي: اتَّسَعَتْ، وقال اللَّيثُ: كلُّ شيءٍ طالَ إلى الأرضِ؛ فهو سابِغٌ، وأَسْبغَ الله عليه النِّعمَةَ؛ أي: أَتَمَّها، قال الله تعالى: {وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً}[لقمان:20]، وإسباغُ الوضوءِ: إبلاغُه مواضِعَهُ، وإيفاءُ كلِّ عُضوٍ حَقَّهُ، والتَّركيبُ يَدلُّ على تَمامِ الشيءِ وكمالِهِ.
          وجهُ المناسبة بين البابين مِن حيث إنَّ المذكورَ [في الباب الأوَّل تخفيفُ الوضوءِ، والمذكور في هذا الباب ما يقابِلُهُ صورةً وإنْ كان لا بُدَّ في التَّخفيفِ] مِن الإسباغِ أيضًا، كما ذكرنا.
          (ص) وَقالَ ابْنُ عُمَرَ ☻: إِسْباغُ الوُضُوءِ الإِنْقاءُ.
          (ش) هذا تعليقٌ أخرجَهُ عبد الرَّزَّاقِ في «مُصَنَّفَهِ» موصولًا بإسنادٍ صَحيحٍ، وأشارَ به إلى أنَّ عبدَ الله بنَ عُمَر ☻ فَسَّرَ «الإسباغَ» بـ«الإنقاءِ».
          فإنْ قُلتَ: قد مَرَّ أنَّ (الإسباغَ) في اللُّغَةِ: الإتمامُ والاتِّساع، قلتُ: هذا مِن بابِ تَفسيرِ الشيءِ بلازِمِهِ؛ إذ الإتمام يستلزِمُ الإنقاءَ عادَةً، والدَّليلُ عليه: ما رواه ابنُ المُنْذِرِ بإسنادٍ صَحيحٍ: أنَّ ابن عُمَرَ كان يَغْسلُ رجليه في الوضوءِ سَبْعَ مرَّاتٍ، فإنَّهُ كان يقصد بذلك الإنقاءَ.
          [فإنْ قُلتَ: لمَ اقتصرَ في ذلك على الرِّجلين؟ قلتُ: لأنَّهما مَحَلُّ الأوساخِ غالبًا؛ لاعتيادهم المشيَ حُفاةً، بخلافِ بقيَّةِ الأعضاءِ].
          فإن قُلتَ: ما وجهُ ذلك وقد مَرَّ أنَّ الزيادَةَ على الثلاث ظُلمٌ وتعدٍّ؟
          قلتُ: قد ذكرنا أنَّ وجهَ ذلك فيمَن لم يَرَ الثلاثَ سُنَّةً، وأمَّا إذا رآها، وزادَ على أنَّهُ من بابِ الوضوءِ على الوضوء؛ يكونُ ذلك نورًا على نورٍ.