عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين
  
              

          ░27▒ (ص) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حكمِ غَسلِ الرِّجلين في الوضوء.
          قوله: (وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ) يعني: إذا كانتا عاريتَين، وقال القشيريُّ: فهم البُخَاريُّ مِن هذا الحديثِ أنَّ القدمَين لا يُمسَحان، بل يُغسَلان، وهو عندي غيرُ جَيِّد؛ لأنَّه مُفسَّرٌ في الرواية الأخرى: أنَّ الأعقابَ كانت تلوحُ لم يمسَّها الماءُ، ولا شكَّ أنَّ هذا موجِبٌ للوعيد بالاتِّفاق، والذين استدلُّوا على أنَّ المسحَ غيرُ مجزِئ إِنَّما اعتبرُوا لفظَه فقط، فقد رتَّبَ الوعيدَ على مُسمَّى المسح، وليس فيها تركُ بعض الوضوء، والصوابُ إذا جُمِعتِ الطُّرقُ: أن يُستَدَلَّ ببعضها على بعضٍ، ويُجمَعَ ما يمكنُ جمعُه؛ فبِهِ يظهرُ المرادُ، ولو استدلَّ في غسلِ الرِّجلين بحديث: «إذا تَوَضَّأ المسلمُ، فغسل رجليه؛ خرجت كلُّ خطيئة بطَشَتْ بها رجلاه»؛ فهذا يدلُّ على أنَّ الرِّجل فرضُهَا الغَسْلُ؛ لأنَّه لو كان فرضُها المسحَ؛ لم يكن في غَسلِهما ثوابٌ، ألا ترى أنَّ الرأسَ الذي فرضُه المسحُ لا ثوابَ في غسله؟
          قُلْت: لا دخلَ في ذلك على البُخَاريِّ؛ لأنَّه فهِمَ منه أنَّ الإنكارَ عليهم إِنَّما كان بسببِ المسحِ، لا بسبب الاقتصارِ على غسل بعضِ الرِّجل، فلأجل ذلك قال: (وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ).
          فَإِنْ قُلْتَ: ما وجه المناسبة بين البابين؟ قُلْت: قد مرَّ أنَّ البابَ السابقَ ذُكِرَ عقيبَ البابِ الذي قبله للمعنى الذي ذكرناه، فيكون هذا البابُ في الحقيقةِ يتلو البابَ الذي قبله، والمناسبة بينهما ظاهرة؛ لأنَّ كلًّا منهما مُشتَمِلٌ على حكمٍ مِن أحكامِ الوضوء.