عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله
  
              

          ░55▒ (ص) بَابْ.
          (ش) (بابْ) بالسكون؛ لأنَّ الإعراب لا يكون إلَّا بالعقد والتركيب، اللهمَّ إلَّا إذا قُدِّر شيءٌ، يكون حينئذٍ معربًا؛ نحو ما تقول: هذا بابٌ؛ لأنَّه حينئذ يكون خبر مبتدأ، وقال بعضهم: («بابٌ»؛ بالتنوين)، وهو غلطٌ.
          والمناسبة بين البابين من حيث إنَّ في الباب الأَوَّل ذكر الوضوء من غير حدث، وله فضل كبير إذا كان المتوضئ محترزًا عن إصابة البول بدنَه أو ثوبَه، وفي هذا الباب يذكر الوعيد في حقِّ من لا يحترز منه.
          (ص) مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتَرَ مِنْ بَوْلِهِ.
          (ش) كلمة (أَنْ) مصدرية في محلِّ الرفع على الابتداء، وقوله: (مِنَ الْكَبَائِرِ) مقدَّمًا خبره، والتقدير: ترك استتار الرجل من بوله من الكبائر، وهو جمع: (كبيرة)، وهي الفَعْلة القبيحة مِنَ الذنوب، المنهيُّ عنها شرعًا، العظيمُ أمرُها؛ كالقتل والزِّنى والفِرار مِنَ الزحف وغير ذلك، وهي مِنَ الصفات الغالبة؛ يعني: صار اسمًا لهذه الفعلة القبيحة، وفي الأصل هي صفة، والتقدير: الفعلة القبيحة، أو الخصلة القبيحة.
          واختلفوا في الكبائر؛ فقيل: سبع، وهو ما رواه البُخَاريُّ ومسلمٌ من حديث أبي هُرَيْرَة: أنَّ رسول الله صلعم قال: «اجتنبوا السبع الموبِقات»، فقيل: يا رسول الله؛ وما هنَّ؟ قال: «الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحقِّ، والسِّحر، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذف المحصنات الغافِلات المؤمنات»، وقيل: الكبائر تسع، وروى الحاكم في حديث طويل: (الكبائر تسع...) فذكر السبعة المذكورة، وزاد عليها: (عقوق الوالدين المسلمَين، واستحلال البيت الحرام)، وقيل: الكبيرة كلُّ معصية، وقيل: كلُّ ذنب قُرِنَ بنارٍ أو لعنةٍ أو غضبٍ أو عذابٍ، وقال رجلٌ لابن عَبَّاس ☻: الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى سبع مئة.
          قُلْت: الكبيرة أمرٌ نسبيٌّ، فكلُّ ذنب فوقه ذنبٌ؛ فهو بالنسبة إليه صغيرة، وبالنسبة إلى ما تحته كبيرة.