عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
  
              

          ░4▒ (ص) بابٌ: لا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ، وهو مُنوَّنٌ غيرُ مضافٍ.
          قوله: (لا يَتَوَضَّأُ) بِفَتْحِ أوَّله على البناءِ للفاعل، وكلمة (مِن) للتَّعليلِ؛ أي: لأجلِ الشَّكِّ؛ كما في قوله تعالى: {مِمَّا خَطاياهُمْ أُغْرِقُوا}[نوح:25] وقولِ الشاعر:
وذلك من نبأٍ جاءَني
          (الشَّكُّ) في اللُّغَةِ: خلافُ اليقينِ، و(اليقينُ) العلمُ وزوالُ الشَّكِّ، قالَهُ الجَوْهَريُّ وغيرُهُ، وفي اصطلاحِ الفقهاء: الشُّكُّ: ما يستوي فيه طرفُ العلمِ والجهلِ، وهو الوقوفُ بين الشَّيئينِ؛ بحيث لا يميلُ إلى أحدهما، فإذا قَويَ أحدُهما وترجَّحَ على الآخر، ولم يأخذ بما ترجَّحَ، ولم يَطْرَح الآخرَ؛ فهو ظَنٌّ، وإذا عَقَدَ القلبَ على أحدهما، وتركَ الآخر؛ فهو أكبرُ الظَّنِّ وغالبُ الرَّايِ، ويُقال: الشَّكُّ: ما استوى فيه طرفا العلمِ والجهلِ، فإذا ترجَّحَ أحدُهما على الآخرِ؛ فالطرَفُ الرَّاجحُ ظَنٌّ، والطرفُ المرجوحُ وَهَمٌ.
          قولهُ: (حَتَّى يَسْتَيْقِنَ) أي: حتَّى يتيقَّنَ، يُقال: يَقِنْتُ الأمرَ _بالكسر_ يقينًا، وأيقَنْتُ، واستيقَنْتُ، وتَيَقَّنْتُ؛ كلُّه بمعنًى.
          فإنْ قُلتَ: ما وجهُ المناسَبَةِ بين البابين؟ قلتُ: من حيثُ اشتمالُ كلِّ واحدٍ منهما على حكمٍ من أحكامِ الوضوءِ؛ أمَّا الأوَّل؛ فلأنَّهُ في فَضْلِ الوضوءِ، وهو حُكمٌ مِن أحكامهِ، وأمَّا الثاني؛ فلأنَّهُ في حُكمِ الوُضوءِ الذي يَقَعُ فيه الشَّكُّ، ولا يؤثِّرُ فيهِ ما لَمْ يَحْصُلِ اليقينُ، فتناسبا مِن حيثُ إنَّ كلًّا منهما حكمٌ مِن أحكامِ الوضوء وإنْ كانتِ الجِهَةُ مختلِفَةً.