عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الاستنثار في الوضوء
  
              

          ░25▒ (ص) بَابُ الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ الاستنثارِ في الوضوء، و(الاستِنْثَارُ) (استِفْعَالٌ) مِنَ النَّثْرِ؛ بالنون والثاء المُثَلَّثة، والمراد به: الاستنشاقُ، وقد بسطنا الكلامَ فيه في الباب الذي قبله.
          وجهُ المناسبةِ بينَ البابين مِن حيث إنَّ المذكورَ في هذا البابِ بعضُ المذكور في الباب الأَوَّل.
          (ص) ذَكَرَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاس ♥ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: ذكرَ الاستنثارَ في الوضوءِ (عثمانُ بنُ عفَّانَ) و(عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ) ابن عاصمٍ، وعبدُ اللهِ (ابنُ عَبَّاسٍ) ♥ .
          والمعنى: أنَّ هؤلاء روَوا الاستنثارَ في الوضوء، أَمَّا الذي رواه عثمانُ ☺ ؛ فقد أخرجه موصولًا في الباب الذي قبله، وأَمَّا الذي رواه عبد الله بن زيدٍ؛ فقد أخرجه موصولًا في (باب مسح الرأس كلِّه)، وأَمَّا حديثُ ابنِ عَبَّاس؛ فقد أخرجه موصولًا في (باب غسل الوجه مِن غَرفةٍ).
          وقال بعضُهم: وليس فيه ذكرُ (الاستنثار)، وكأنَّ المُصنَّفَ أشارَ بذلك إلى ما رواه أحمدُ وأبو داودَ والحاكمُ مِن حديثه مرفوعًا: «استنثروا مَرَّتينِ بالغتين أو ثلاثًا»، ولأبي داودَ الطَّيَالِسِيِّ: «إذا تَوَضَّأ أحدكم واستنثرَ؛ فليفعلْ ذلك مَرَّتينِ أو ثلاثًا»، وإسناده حَسَنٌ.
          قُلْت: ليس الأمرُ كما ذكره، بل في حديث ابن عَبَّاس الذي أخرجَه البُخَاريُّ ذكرُ الاستنثارِ، / فإنَّ في بعض النُّسَخ ذَكَر: (واستنثرَ) موضع قوله: (واستنشق)، وقوله: (وكأنَّه أشار بذلك إلى ما رواه أحمدُ...) إلى آخره بعيدٌ، على ما لا يخفى.
          وحديث أبي داودَ أخرجه ابنُ ماجه أيضًا، وذكرَ الخلَّالُ عَن أحمدَ أنَّهُ قال: في إسنادِهِ شيءٌ، وذكرَه الحاكمُ في «الشواهد» وابنُ الجارود في «المنتقى»، وقال صاحبُ «التلويح»: وكان ينبغي للبُخَاريِّ إذا عدَّ رواةَ الاستنثارِ أن يذكُرَ بعدَ حديثِ أبي هُرَيْرَة ☺ حديثَ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ مِن «صحيح مسلمٍ»، وحديثَ عليِّ بن أبي طالب ☺ مِن «صحيحِ ابنِ حِبَّان»، وحديثَ وائل بن حُجْرٍ وسندُه جَيِّد مِن عندَ البَزَّار، وحديثَ لقيط بن صبرةَ، وقد تَقَدَّمَ، وكذا حديث عائشة ♦، وحديثَ البراء بن عازب رويناه في كتاب «الحلية» لأَبيْ نُعَيْمٍ بسندٍ جَيِّدٍ، وحديثَ سلمةَ بنِ قيسٍ، قال التِّرْمِذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وحديثَ أبي ثعلبة الخُشنِيِّ رواه كاملُ بنُ طلحة الجَحْدَريُّ عَن مالكٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عن أبي إدريسَ عنه، قال أبو أحمدَ الحاكمُ: أخطأ فيه كاملٌ، وحديثَ المقدام بن معديكربَ بسندٍ جَيِّدٍ عند أبي داودَ.
          قُلْت: لم يظهرْ لي وجهُ قولِهِ: (وكان ينبغي)، فالبُخَاريُّ ما التزم بذكرِ أحاديثِ الباب، ولا بتخريج كلِّ حديثٍ صحيحٍ، وكمْ مِن صحيحٍ عندَ غيرِه؛ فهو ليس بصحيحٍ عندَه!