عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب التسمية على كل حال وعند الوقاع
  
              

          ░8▒ (ص) بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حالٍ، وَعِنْدَ الوِقاعِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ ذِكْرِ اسم الله تعالى على كلِّ حالٍ؛ يعني: سواءٌ كان طاهرًا أو مُحدِثًا أو جُنُبًا.
          و(التَّسْمِيَةُ) هي قولُ: (بسمِ الله).
          قولُهُ: (وَعِنْدَ الوِقاعِ) أي: الجماعُ.
          فإنْ قُلتَ: قولُهُ: (عَلَى كُلِّ حالٍ) يَشملُ حال الوقاعِ وغيره، فما فائِدَةُ تَخصيصِهِ بالذِّكْرِ؟
          قلتُ: للاهتمامِ بِهِ؛ لأنَّ حالة الوقاع تخالِفُ سائرَ أحوالِ الأشياء، ولأنَّهُ هو المذكور في حديثَ الباب.
          وقال بعضُهُم: وليس العمومُ ظاهرًا مِنَ المراد الذي أوردَهُ، لكن يُستفادُ من باب الأَولى؛ لأنَّهُ إذا شرع في حالَةِ الجماع وهي مِمَّا أُمِرَ فيه بالصَّمْتِ؛ فَغيرُهُ أَوْلَى.
          قلت: ليتَ شعري! ما معنى هذا الكلام؟! فمَنْ تأمَّلَ كلامَه؛ وجده في غاية الوهاءِ.
          فإنْ قُلتَ: ما وَجْهُ المناسَبَةِ بين البابين؟
          قلتُ: قد ذَكَرْتُ لك ما قاله الكَرْمانِيُّ مِن أنَّ البُخاريَّ لا يُراعي حُسنَ التَّرتيبِ، وجُملَةُ قَصدِهِ إنَّما هو في نَقل الحديثِ وتصحيحِهِ لا غَير، وقد ذكرتُ لك ما يرُدُّ هذا الكلام، فالمتأمِّلُ فيه إذا أَمْعَنَ في نَظَرِهِ؛ عَرَفَ وجوه المناسبات بين الأبواب وإنْ كانَ الوجهُ في بعضِ المواضِعِ يُوجَدُ ببعض التَّكلُّفِ.
          فنقولُ: لمَّا ذكر (كتاب الوضوء) عَقيب (كتاب العلم) للمناسَبَةِ التي ذكرناها هناك؛ ذَكَرَ عقيبهُ / ستَّةَ أبوابٍ، ليس فيها شيءٌ من أوصافِ الوضوءِ، وإنَّما هي كالمقدِّمات لها، ثمَّ ذكر الباب [السابع الذي فيه (صِفَةُ الوضوءِ)، وكان ينبغي أنْ يذكره بعد ذكرِ (أبواب الاستنجاءِ) في أثناءِ الأبواب التي يذكر فيها صفاتُ الوضوء، ولكنَّهُ ذكره عَقيبَ الباب] السادسِ بطريقِ الاستطرادِ والاستتباعِ للمَعْنَى الذي ذكرناهُ، ثُمَّ شرَعَ يذكُرُ أبوابَ الاستنجاءِ، وبعدها أبواب صفات الوضوءِ، على ما يقتضيه الترتيبُ، وقدَّمَ (بابَ التَّسميَةِ) على الجميعِ؛ لأنَّ المتوضِّئ أوَّلًا يستنجي، فبالضرورةِ قَدَّم (أبوابَ الاستنجاءِ) على (أبوابِ الوضوءِ)، ثُمَّ لا بُدَّ أَنْ يُقدِّمَ التسميَةَ قَبْلَ كَلِّ شيء؛ لأنَّا نُدِبْنا أنْ نُسمِّيَ الله تعالى في ابتداءِ كلِّ أمرٍ ذي بالٍ؛ ليقَعَ المبدوءُ بِهِ مَبروكًا ببرَكَةِ اسم الله تعالى، فبالضرورة قَدَّمَ (باب التَّسميَةِ).