عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء
  
              

          ░3▒ (ص) بابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، والغُرِّ المُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان فَضلِ الوُضُوء، و(البابُ) مُضافٌ إلى قولِهِ: (فَضْلِ الوُضوءِ).
          قولُهُ: (والغُرِّ المُحَجَّلِينَ) بالجَرِّ في رِواية المُسْتَمْلِي، عَطفًا على (الوُضوءِ)، والتَّقديرُ: وفضلُ الغُرِّ المحجَّلِينَ، وصَرَّحَ به الأَصِيلِيُّ في رِوايَتِهِ، / وفي أَكثَرِ الرِّواياتِ: <والغُرُّ المحجَّلُونَ> بالرَّفعِ، وذُكِرَ في وجهه أَقوالٌ:
          فَقالَ الكَرْمانِيُّ: وجهُهُ أنْ يَكونَ «الغُرُّ» مُبتَدأً، وخَبَرُهُ مَحذُوفًا؛ أي: مُفضَّلُونَ على غَيرِهِم، ونَحوِهِ، أو يكونَ «مِن آثارِ الوُضُوء» خبرَه؛ أي: الغرُّ المحجَّلُون مَنشَؤُهم آثارُ الوضوءِ.
          وقال بَعضُهُم: الواو استِئنافِيَّة، و«الغُرُّ المُحجَّلونَ» مُبتَدأٌ، وخَبرُهُ مَحذوف؛ تَقدِيرُهُ: لهم فَضلٌ.
          قلتُ: بلِ الواوُ عاطِفةٌ؛ لأنَّ التَّقديرَ: بابُ فَضلِ الوُضُوءِ، وبابُ هذهِ الجُملَةِ.
          وقال بعضُ الشُّرََّاح: و«الغُرُّ المحجَّلون» بالرَّفعِ، وإنَّما قَطَعَه عمَّا قَبلَهُ؛ لأنَّه ليس من جُملَة التَّرجُمَةِ.
          قلتُ: ليس الأمرُ كما قالَهُ، بل هو من جُملَةِ التَّرجُمَةِ؛ لأنَّه هو الذي يَدلُّ عليها صَريْحًا؛ لِمُطابَقَة ما في حَديثِ الباب إيَّاها، على ما نَذكُرُهُ عن قَريبٍ إن شاءَ اللهُ تَعالَى.
          وقال الكَرْمانِيُّ: ويحتملُ أنْ يكونَ مَرفوعًا على سَبيلِ الحِكايَةِ؛ مِمَّا وردَ هكذا: «أُمَّتِي الغُرُّ المحجَّلونَ مِن آثارِ الوُضُوءِ».
          قلتُ: وَقعَ في رِوايَة مُسلِمٍ: «أنتُم الغُرُّ المحجَّلُونَ».
          فإن قُلتَ: ما وَجهُ المناسَبَةِ بين البابَين؟ قلتُ: مِن حَيثُ إنَّ المذكُور في الباب السَّابِق عَدَمُ قَبولِ الصَّلاةِ إلَّا بالوُضُوءِ، والمذكُور في هَذا الباب فَضلُ هذا الوضوءِ الذي يَحصُل به القَبُول، ويفضُلُ بهِ على غَيرِهِ من الأُمَمِ.