مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من مات وعليه نذر

          ░30▒ باب من مات وعليه نذر
          وأمر ابن عمر امرأة.. إلى آخره.
          ثم ساق حديث ابن عباس، أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلعم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه أن يقضيه عنها، فكانت سنة بعد.
          وحديث ابن عباس أيضاً أتى رجل رسول الله صلعم فقال: إن أختي نذرت.. الحديث.
          تضمنت أحاديث الباب جواز النيابة في الصلاة والحج وغيرهما إذا مات من يناب عنه، ولا شك في دخول النيابة في الأفعال المتضمنة المال فقط كالصدقة، وكذا عندنا في الأفعال البدنية فيه مكروهة، وينفذ إن أوصى به.
          ووقع في كتاب محمد في امرأة أوصت أن يحج عنها إن حمل ذلك ثلتها، فإن لم يحمل جعل في رقبته يحمل ذلك ثلتها، قال: يعتق عنها ولا تحج فلم يجز ذلك، ولو كان ذلك بوصية للميت.
          وأما الفعل الذي يتضمن فعل البدن خاصة كالصلاة والصوم، فالمشهور من مذهب الفقهاء أنه لا يفعل، وقال محمد بن عبد الحكم: يصام عنه، وهو القديم للشافعي وصحت به الأحاديث فهو المختار، وقاله أحمد وإسحاق وأبو ثور وأهل الظاهر أيضاً، وقالوا: إن أحب أن يكتري عنه من يصوم عنه جاز، ونقل ابن بطال إجماع الفقهاء أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضاً ولا سنة، لا عن حي ولا عن ميت. وليس كما ذكر بل فيه الخلاف.
          قال المهلب: ولو جاز أن يصلي أحد عن أحد لجاز ذلك في جميع ما يلزم الأبدان من الشرائع، ولجاز أن يؤمن إنسان عن آخر، وما كان أحد أحق بذلك من الشارع أن يؤمن عن أبويه وعن عمه أبي طالب، ولما نهي عن الاستغفار لمن استغفر له ولبطل معنى قوله تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [الأنعام:164] وإنما أراد والله أعلم كسب الفرائض، وأما النوافل فقد أمر ◙ الأعقاب بقضائها عن الأموات وغيرهم تبرعاً بذلك.
          واختلف في وجوب قضاء النذر عن الميت على ورثته، فقال أهل الظاهر: يقضيه عنه وليه وهو واجب عليه صوماً كان أو صلاةً.
          وقال جمهور العلماء: ليس ذلك على الوارث واجباً، وإن فعل فقد أحسن إن كان صدقة أو عتقاً، واختلف في الصوم وفيما إذا أوصى به، فقالت طائفة: هو في ثلثيه، وهو قول مالك. وقال آخرون: كل واجب إذا أوصى به فهو من رأس ماله، وأما أثر ابن عمر فالصلاة بقباء وابن عباس نحوه، فهو على وجه الرأي لا على وجه الإلزام.
          وقد روي عن ابن عمر وابن عباس خلاف ما حكى (خ) عنهما.
          قوله: (فكانت سنة بعد) أي: سنة في الحض على التبرر عن الميت.
          واختلف في النذر الذي كان على أم سعد بن عبادة فقال قوم: كان صياماً.
          وقال آخرون: كان عتقاً، واستدلوا بحديث القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ قال: ((نعم)).
          قالوا: وهذا يفسر النذر المجمل في حديث ابن عباس، وقال آخرون: كان صدقة واستدلوا بحديث مالك عن سعد بن عبادة: خرج في بعض المغازي فحضرت أمه(1) الوفاة فقيل لها: أوصي، فقالت: فيم أوصي وإنما المال مال سعد؟ فتوفيت قبل أن يقدم سعد، فقال / يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها؟ فقال: ((نعم)).
          وليس في هذا بيان النذر المذكور، بل الظاهر في الحديث أنه وصية، والوصية غير النذر، ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذراً كان أو غيره.
          وقال آخرون: كان نذراً مطلقاً لا ذكر فيه لصيام ولا عتق ولا صدقة. قالوا: ومن جعل على نفسه نذراً منهما فكفارته كفارة يمين، روي هذا عن ابن عباس وعائشة وجابر.
          قال ابن بطال: وهو قول جمهور الفقهاء، وروي عن سعيد بن جبير وقتادة: أن النذر المبهم أغلظ الأيمان، وله أغلظ الكفارات عتق أو كسوة أو إطعام.
          قال: والصحيح قول من جعل فيه كفارة يمين.
          قال المهلب: قوله: ((أرأيت لو كان عليها دين)) هو تمثيل منه وتعليم لأمته القياس والاستدلال، وبين ذلك أن الديون لازمة للأموات في ذمتهم، فإن لم يكن لهم ذمة من المال لم يلزمهم الدين إلا في الآخرة، فحذر الشارع من أن يبقى على الميت تباعة من دين كان بحلفه، أو من طاعة كان نذرها، وعرف أن ما لزمه الله أحق أن يقضى بما لزم لأحد من عباد.


[1] في هامش المخطوط: ((عمرة بنت مسعود)).