مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا تحلفوا بآبائكم

          ░4▒ باب لا تحلفوا بآبائكم
          فيه أحاديث:
          1- حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه ◙ أدرك عمر الحديث.
          وحديث يونس، عن الزهري قال: قال سالم: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله صلعم: الحديث. تابعه عقيل إلى آخره.
          إسحاق هذا هو ابن يحيى الكلبي الحمصي، استشهد به في غير موضع.
          ومتابعة عقيل رواها (م) عن عبد الملك بن شعيب حدثني أبي، عن جدي، عنه. ومتابعة الزبيدي رواها (ن)، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن حرب، عنه. ومتابعة معمر رواها (د)، عن أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق، عنه. ومتابعة سفيان، رواها (ق)، عن محمد بن أبي عمر العدني، عنه و(ت) عن قتيبة، عنه.
          ولابن أبي عاصم في كتاب ((الأيمان والنذور)) من حديث ابن عمر: ((من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر))، ومن حديث أبي هريرة يرفعه: ((لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله وأنتم صادقون)).
          ومن حديث بريدة يرفعه: ((ليس منا من حلف بالأمانة)).
          وفيه: أنه لا ينبغي اليمين إلا بالله تعالى، وأن حكم المخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء، وأما ما في القرآن من الإقسام بالمخلوقات نحو {وَالطُّورِ} {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ} {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فلله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، والتقدير: ورب الطور، ورب النجم، ثم بين مراد الله من عباده، أنه لا يجوز الحلف بغيره. وقد ذكره ابن أبي شيبة، عن ميمون بن مهران أيضاً.
          قال ابن عبد البر: لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير الله تعالى إلا بهذه الأقسام، ولا بغيرها؛ لإجماع العلماء أن من وجب له يمين على آخر في حق قبله أنه لا يحلف له إلا بالله، ولو حلف له بالنجم والسماء، وقال: نويت رب ذلك، لم يكن عندهم يميناً.
          وروي عن ابن عمر، وابن مسعود، قال: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً.
          وروى ابن جريج، عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن الزبير يقول: سمعني عمر أحلف بالكعبة فنهاني وقال: لو تقدمت إليك لعاقبتك.
          وقال قتادة: يكره الحلف بالمصحف، وبالعتق، والطلاق.
          قال أبو عمر: والحلف بالطلاق والعتق ليس بيمين عند أهل التحصيل والنظر، وإنما هو طلاق بصفة، وعتق بصفة، وكلام خرج على الاتساع والمجازة التقريب، ولا يمين في الحقيقة إلا بالله.
          ونقل محمد بن نصر المروزي في كتابه ((اختلاف العلماء)) إجماع الأمة على أن الطلاق لا كفارة فيه.
          وأجاز ابن عمر، والحسن، وإبراهيم التيمي الحلف بايم الله، وكره إبراهيم: لعمرك. وقال: هي لغو، وكانت يمين عثمان بن أبي العاصي: لعمري.
          وقال الحسن: إذا قال الرجل: لعمري لا أفعل كذا وكذا، وحنث فعليه الكفارة.
          ونقل ابن المنذر، عن مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأبي عبيد أنها ليست بيمين. قال الشافعي، وأبو عبيد: إلا إذا أرادها.
          واختلف فيما على من حلف بالقرآن وحنث. قال ابن المنذر: فكان ابن مسعود يقول: عليه بكل آية يمين.
          وروى ابن أبي عاصم. بإسناد فيه ابن عباس، إلى ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله صلعم: ((من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية يمين)).
          قال ابن المنذر: وقال أبو عبيد: تكون يميناً واحدة. قال أحمد: ولا أعلم شيئاً يدفعه. وقال النعمان: لا كفارة عليه. وعندنا: إن قصد كلام الله، أو أطلق فيمين، وكان قتادة [يكره أن] يحلف بالمصحف. قال أحمد، وإسحاق: ولا يكره ذلك.
          وتنعقد عندنا اليمين بالرحمن، وقال أبو يوسف: إن / أراد به الله انعقد، وإن أراد به سورة الرحمن فلا.
          واختلف في الرجل يقول: أقسمت بالله، أو أقسمت، ولم يقل بالله، فروينا كما قال ابن المنذر عن ابن عباس، وابن عمر أنهما قالا: القسم يمين، وإن لم يرد به اليمين، وبه قال النخعي والثوري، وأصحاب الرأي، وفي قول الثوري وأصحاب الرأي: أقسمت بالله، وأقسمت يمين، وبه قال عبيد الله بن الحسن. وقالت طائفة: إن أراد بقوله: أقسمت، أي: بالله، فهي يمين، وإلا فلا شيء عليه، هذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
          قال الشافعي، وأبو ثور: وإذا قال: أعزم بالله، فليست بيمين، إلا أن يريد يميناً وكذا: إذا قال: أشهد بالله. أنه إن نوى اليمين فهي يمين، وإن لم ينو شيئاً فلا شيء عليه. وقال أصحاب الرأي وأبو ثور: هي يمين.
          فإن قال: حلفت، ولم أحلف، فقال الحسن، والنخعي: لزمته يمين. وروى ابن أبي شيبة، عن النخعي: فقد كذب. وكذا قال حماد بن أبي سليمان: هي كذبة. وقال أبو ثور: باطل، وقال أصحاب الرأي: هي يمين.
          لو قال: إن فعلت هذا، فهو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي.
          فقال مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور: يستغفر الله. وقال طاوس، والحسن، والشعبي، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي: عليه كفارة يمين. وهو قول أحمد، وإسحاق: إذا أراد اليمين.
          واختلف في رجل يدعو على نفسه بالخزي والهلاك، أو قطع اليد إن فعل كذا، فقال عطاء: لا شيء عليه، وهو قول الثوري، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي. وقال طاوس: عليه كفارة يمين، وبه قال الليث.
          وقال الأوزاعي: إذا قال: عليه لعنة الله إن لم يفعل كذا، فلم يفعله، فعليه كفارة يمين.
          قال ابن هبيرة في كتابه: أجمعوا على أن اليمين بالله منعقد بجميع أسمائه الحسنى، كالرحمن، والرحيم، والحي، وغيرها، وبجميع صفات ذاته، كعزة الله، وجلاله، إلا أبا حنيفة، فإنه استثنى: علم الله، فلم يره يميناً استحساناً، فإن قال: وحق الله يكون يميناً وقال أبو حنيفة: لا، واختلف إذا حلف بالنبي، فقال أحمد: ينعقد، وخالفه الباقون.
          واختلف في يمين الكافر، فقال أبو حنيفة ومالك: لا تنعقد سوى حنث في كفره، أو بعد إسلامه، ولا تصح منه كفارة. وقال أحمد: تنعقد يمينه، وتلزمه الكفارة بالحنث فيها في الموضعين.
          وعبارة ابن حزم في ((محلاه)): اليمين لا تكون إلا بالله، أو اسم من أسمائه، وبما يخبر به عنه، ولا يراد به غيره، مثل: مقلب القلوب، ووارث الأرض ومن عليها، ويكون ذلك بجميع اللغات، أو بعلم الله أو قدرته، أو عزته، أو قوته، أو جلاله، ومن حلف بغير ذلك، فلا كفارة عليه، وهو عاص، وعليه التوبة من ذلك والاستغفار.
          وأما الحلف بالأمانة، وبعهد الله، وميثاقه، وما أخذ يعقوب على بنيه، وبأشد ما أخذ أحد على أحد، وحق النبي، والمصحف، والإسلام، والكعبة، ولعمري، ولعمرك، وأقسمت، وأقسم، وأحلف، وحلفت، وأشهد، وعلي يمين، أو علي ألف يمين، أو جميع الأيمان تلزمني، فكل هذا ليس بيمين، واليمين بها معصية، وليس فيها إلا التوبة، والاستغفار، ومن حلف بالقرآن، أو بكلام الله، فإن نوى المصحف، أو الصوت المسموع، أو المحفوظ في الصدور، فليس يميناً، وإن لم ينو ذلك، بل نواه على الإطلاق، فهي يمين وعليه كفارة إن حنث.
          قال الشعبي: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي له أن يقسم إلا بالخالق، والذي نفسي بيده لأن أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فأبر. وقال مطرف: إنما أقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين، ويعرفهم قدرته فيها؛ لعظم شأنها عندهم، ولدلالتها على خالقها.
          قال ابن المنذر: من حلف بغير الله، وهو عالم بالنهي، فهو عاص.
          قوله: (ذاكرا) يعني: متكلما به، كقوله: ذكرت لفلان حديثاً حسناً، وليس هو من الذكر الذي هو ضد النسيان، ولا آثراً يقول: ولا مخبراً عن غيري أنه حلف. ومنه: حديث مأثور عن فلان، أي: تحدث به عنه. و{أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} [الأحقاف:4]: بقية.
          وقيل: الخط الذي يخطه بعض الناس في الأرض، فيخبرون ببعض ما يسألون عنه. وقال الداودي: يريد بقوله (ذاكرا ولا آثرا) أي: ما حلفت بها، ولا ذكرت حلف غيري بها، كقوله: قال فلان: وحق أبي.
          ونهيه عن الحلف بالآباء، أي: من حلف بها تعظيماً لأبيه، وقد قال الصديق: وأبيك ما لته عن قليل(1) سارق.
          قوله في حديث أبي قلابة والقاسم التميمي، وهو ابن عاصم / الكلبي، عن زهدم: وهو رجل أحمر، أي: أشقر، تقول: رجل أحمر والجمع: الأحامر، وإن أردت المصبوغ بالحمرة، قلت: أحمر، وحمر.
          والدجاج مثلث الدال. والواحد: دجاجة، للذكر والأنثى؛ لأن الهاء للوحدة من جنسه، مثل: عمامة.
          و(قذرته) بكسر الذال: كرهته، وكذلك: تقذرته، واستقذرته.
          قوله: (بنهب إبل) أي: بغنيمة. قال الجوهري: النهب: الغنيمة.


[1] كذا في المخطوط، ولعل الصواب: ((وأبيك ما ليلك بليل)).