مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام

          ░7▒ باب من حلف بملة غير الإسلام
          وقال النبي صلعم: ((من حلف باللات... إلى آخره)).
          فيه حديث ثابت بن الضحاك قال: قال النبي صلعم: ((من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال... الحديث)) وسلف.
          ويشبه أن يريد بالأول ما في / ((مصنف ابن أبي شيبة)): بسنده عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: حلفت باللات والعزى، فأتيت النبي صلعم فقلت: إني حلفت باللات والعزى، فقال: ((قل: لا إله إلا الله ثلاثاً، وانفث عن شمالك ثلاثاً، وتعوذ بالله من الشيطان، ولا تعد)).
          قال المهلب: قوله ((فهو كما قال)) يعني؛ هو كاذب في يمينه لا كافر؛ لأنه لا يخلو أن يعتقد الملة التي حلف بها، فلا كفارة له إلا الرجوع إلى الإسلام، أو يكون معتقد الإسلام بعد الحنث فهو كاذب فيما قاله، بمنزلة من حلف يمين الغموس لا كفارة عليه؛ لأن قوله من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله ولم ينسبه إلى الكفر.
          قال ابن المنذر: وفسر ابن المبارك الكفر في هذه الأحاديث، المراد به: التغليظ، وليس بالكفر، كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] أنه ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
          ولذلك قال عطاء: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم، وكما قال ◙: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) أي: كفر بما أمر به أن لا يقتل بعضهم بعضاً.
          قال غيره: والأمة مجمعة أن من حلف باللات والعزى، فلا كفارة عليه، فلذلك من حلف بما سوى الإسلام لا فرق بينهما.
          ومعنى الحديث: النهي عن الحلف بما حلف من ذلك، والزجر عنه، فإن ظن ظان أن في هذا الحديث دليلاً على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقاً؛ لاشتراكه في هذا الحديث أن يحلف بذلك كاذباً. قيل له: ليس كما توهمت؛ لورود نهي الشارع عن الحلف بغير الله نهياً مطلقاً، فاستوى الكاذب والصادق في النهي، وقد تقدم معنى هذا الحديث في آخر الجنائز في باب: قاتل النفس، وفي كتاب: الأدب في باب: من كفر أخاه بغير تأويل.
          قوله: (من قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم) هو على الوعيد، والله تعالى فيه بالخيار.
          قوله: (ولعن المؤمن كقتله) ليسا في الفعل سواء، وإنما يريد أنهما حرام.
          وقيل: يريد المبالغة في الإثم، والشيء يسمى بالشيء للمقاربة لقوله: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)).
          قال المهلب: هو معنى قول الطبري: اللعن في اللغة: هو الإبعاد، فمن لعن مؤمناً فكأنه أخرجه من جماعة الإسلام، فأفقدهم منافعه، وتكثير عددهم، فكأنه كمن أفقدهم منافعه بقتله. ويفسر هذا قوله للذي لعن ناقته: ((انزل عنها فقد أجيبت دعوتك)) فسرحها، ولم ينتفع بها أحد بعد ذلك، فأفقد منافعها لما أجيبت دعوته، فكذلك يخشى أن تجاب دعوة اللاعن فيهلك الملعون.
          وفيه تأويل: أن الله حرم لعن المؤمن، كما حرم قتله، فهما سواء في التحريم، وهذا يقتضي تحذير لعن المؤمن والزجر عنه؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، فأكد حرمة الإسلام وشبهها بحرمة النسب. فإن قيل: هذا التأويل يعارض ما ثبت عن رسول الله أنه لعن جماعة من المؤمنين، فلعن المخنثين من الرجال، ولعن شارب الخمر، ولعن غيره، ولعن المصورين، ولعن من غير تخوم الأرض، ولعن من انتمى إلى غير مواليه، ومن انتسب إلى غير أبيه، ولعن من سب والديهم، وجماعة سواهم.
          قيل: لا تعارض في شيء من ذلك، والمؤمنون الذين حذر رسول الله لعنهم، هم غير من لعنهم، فنهى عن لعن من لم يظهر الكبائر، ولا استباح ركوب ما نهى الله عنه، وأمر بموالاتهم، ومؤاخاتهم في الله، والتودد إليهم.
          ولعن ◙ من خالف أمره، واستباح نهيه، وأمر بإظهار التكبر عليهم، وترك موالاتهم، والانبساط إليهم، والرضى عن أفعالهم. فالحديثان مختلفان، فلا تعارض.
          واختلف في الرجل يقول: أكفر بالله، وأشرك بالله، ثم يحنث، فقال مالك: لا كفارة عليه، وليس بكافر، ولا مشرك، حتى يكون قلبه مضمر على الشرك والكفر، وليستغفر الله، وينس ما صنع، وهو قول عطاء، ومحمد بن علي، وقتادة، وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد. وقال أبو حنيفة وأصحابه / والثوري والأوزاعي: من قال: هو يهودي، أو نصراني، أو قال: أشركت بالله، أو برئت من الله، أو من الإسلام فهو يمين، وعليه الكفارة إن حنث؛ لأنه تعظيم الله، فهو كاليمين بالله، وبه قال أحمد وإسحاق.
          قال ابن المنذر: وقول من لم يرها يميناً أصح، لقوله ◙: ((من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله)) ولم يأمر بكفارة.
          قال ابن القصار: ولقوله ◙: ((من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال)). ومعناه: النهي عن موافقة ذلك اللفظ، والتحذير منه، لا أنه يكون كافراً بالله بقوله ذلك. قال ابن القصار: وإنما أراد التغليظ في هذه الأيمان حتى لا يجترئ عليها أحد، وكذلك قال ابن عباس، وأبو هريرة، والمسور، وتلاهم التابعون، ولم يوجبوا على من أقدم عليها كفارة.
          قوله: (ولم ينسبه إلى الكفر) هو بضم السين، وكذا هو في اللغة.
          قال الجوهري: نسبت الرجل: أنسبه بالضم، نسبة، ونسبا، إذا ذكرت نسبه، ونسب الشاعر بالمرأة، ينسب بالكسر إذا شبب بها.
          قوله: (ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله) قيل: يعني في الحرمة، وقيل: يعني إذا نسب ذلك إليه وأذاعه، وليس هو كذلك.