مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة

          ░24▒ باب إذا أهدى ماله على وجه التورية والتوبة
          فيه حديث كعب بن مالك في حديثه {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} [التوبة:118] فقال في آخره: إن من توبتي أن أنخلع.. الحديث.
          ظاهره أنه أمره أن يتصدق بجزء جيد من ماله، ولعله أكثر من ثلثه؛ لأن بعض الشيء جزء من أجزائه، ولعله ◙ علم أنه ذو مال طائل، وأن بعضه له فيه كفاية، وهو مؤيد لقول سحنون: إن من حلف بصدقة ماله يخرج ما لا يضر به. ويؤيده قوله ◙: ((لا صدقة إلا عن ظهر غنى)).
          وفي ((الموطأ)) في حديث كعب هذا قال له النبي صلعم: ((يجزئك الثلث)) واختلف في قوله: ((من توبتي أن أنخلع من مالي)) هل التزم الصدقة بجميع ماله، أو إنما أراد أن يفعل ذلك ولم يوجب ذلك؟ واحتج من قال: إنه التزم بقوله ◙: ((يجزئك الثلث)) فلو كان الكلام منه على سبيل المشورة والعرض ما قال ذلك، وقد تنازع فيه.
          واختلف فيمن حلف بصدقة ماله فحسب على ثمانية أقوال:
          1- يلزمه ثلث ماله، قاله مالك.
          2- لابن وهب: إن كان مالياً فكذلك، وإن كان فقيراً فكفارة يمين، وهو قول الليث وإن كان متوسطاً يخصه الثلث، قال النخعي: يخرج جميع ماله. وقال أبو حنيفة: إن علقه بشرط كأن دخلت الدار، أو إن شفى الله مريضي، فالقياس أن يلزمه كل ماله، ويستحسن بالأموال التي تجب فيها الزكاة.
          وقال الشافعي: إن أخرجه مخرج التبرر مثل: إن شفى الله مريضي، فيلزمه جميع ماله، وإن كان لجاجاً أو غضباً فيقصد منع نفسه من فعل مباح كإن دخلت الدار. فهي بالخيار، إن شاء أن يفي بذاك أو يكفر كفارة يمين.
          وقال ابن أبي ليلى: لا يلزمه شيء أصلاً، وقاله الشعبي والحكم وحماد.
          وروى قتادة، عن جابر: إن كان كثير المال لزمه العشر وإن كان متوسطاً فالسبع، وإن كان قليلاً فالخمس.
          قال قتادة: والكثير ألفان؛ والوسط ألف، والقليل خمسمائة، فهذه ثمانية أقوال منها ثلاثة في مذهب مالك.
          وحكى ابن بطال في المسألة خمسة أقوال، وفرضها في قول الرجل: مالي في سبيل الله، فحكى:
          أولاً: عن طائفة لا شيء عليه، ونسبه إلى الشعبي وابن أبي ليلى وطاوس.
          وثانياً: أن عليه كفارة يمين، روي عن عمر وابنه وابن عباس وعائشة، وأنه قول عطاء وأنه ذهب إليه الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
          وثالثاً: وهو أن يتصدق من ماله بقدر الزكاة، روي أيضاً عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال ربيعة.
          ورابعاً: أن يخرج ثلث ماله فيتصدق به، وهو قول مالك.
          وخامساً: يخرج ماله كله، روي عن النخعي، وهو قول أبي حنيفة وزفر.