مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح

          ░19▒ باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم، فصلى أو قرأ أو سبح أو كبر أو حمد أو هلل، فهو على نيته
          أي: إذا كانت نيته لا تكلم في شيء من أمر الدنيا، فلا حنث عليه إذا سبح.
          قال ابن بطال: المعنى عند العلماء في الحالف أن لا يتكلم اليوم أنه محمول على كلام الناس لا على التلاوة والتسبيح ثم قال (خ) وقال النبي صلعم: ((أفضل الكلام أربع)) إلى آخره.
          وقال أبو سفيان: كتب النبي صلعم إلى هرقل إلى آخره، وهذا الذي قبله أسلفها مسندين ثم ساق في الباب ثلاثة أحاديث:
          1- حديث سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة الحديث.
          قال الداودي: ((أحاج لك بها)) أشفع لك بها.
          وفيه أن الإيمان ينفع ما لم يغرغر.
          2- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((كلمتان خفيفتان)) الحديث، وسيأتي آخر الصحيح. /
          3- حديث شقيق، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلعم كلمة الحديث وسلف.
          والند بكسر النون: المثل والنظير، وكذلك النديد.
          وأجمعوا أن الكلام محرم في الصلاة، وأن تلاوة القرآن فيها من القربات إلى الله تعالى.
          وقال زيد بن أرقم: لما نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، فتراه نهى عن القراءة. وقال ◙: ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التهليل والتحميد وقراءة القرآن)) فحكم للذكر كله والتلاوة بغير حكم كلام الناس، والحالف إذا حلف أن لا يتكلم فإنما هو محمول عند العلماء على كلام الناس، لا على الذكر والتلاوة، وهذا لا أعلم فيه خلافاً إلا إذا نوى في يمينه أن لا يقرأ، ولا يذكر الله فهو على نيته كما قال (خ)، وأجمعوا أنه إذا حلف أن لا يتكلم وتكلم بالفارسية أو بأي لغة تكلم أنه حانث.
          فصل
          ويشبه معنى هذا الباب إذا حلف أن لا يكلم رجلاً وكتب إليه أو أرسل إليه رسولاً، فقال مالك: يحنث فيهما جميعاً إلا أن يكون تنبه على المشافهة.
          وقال الكوفيون والليث والشافعي: لا يحنث وهو قول ابن أبي ليلى.
          وقال أبو ثور: لا يحنث في الكتاب، واختلف إذا أشار إليه بالسلام، فقال مالك: يحنث.
          وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحنث في الإشارة بالسلام ولا في الرسول ولا في الكتاب؛ لأنه لم يكلمه في ذلك كله. واحتج أبو عبيد وقال: الكلام غير الخط والإشارة، وأصل هذا أن الله تعالى قال لزكريا: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران:41] وقال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11] والرمز: الإشارة بالعين والحاجب. والوحي: الخط والإشارة، يقال: كتب إليهم وأشار إليهم. وفي قصة مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم:26] ثم قال: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:29] فصار الإيمان والخط خارجين من معنى النطق.
          واختلف: لو سلم على قوم هو فيهم، فقال مالك والكوفيون: يحنث. وقال الشافعي: لا يحنث إلا أن ينويه بالسلام.