مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الوفاء بالنذر

          ░26▒ باب الوفاء بالنذر
          وقوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7].
          فيه حديث سعيد بن الحارث أنه سمع ابن عمر يقول: أولم ينهوا عن النذر؟ الحديث.
          وحديث ابن عمر أيضاً قال: نهى النبي صلعم عن النذر.
          وحديث أبي هريرة قال: قال النبي صلعم: ((لا يأتي ابن آدم النذر بشيء)) الحديث.
          أي: أنا قدرت عليه الشدة التي نذر من أجلها فيحيل هو النذر ليحلها عنه، والنذر لا يحل عنه الشدة، فهو لا يغني عنا، والمقدور كائن، فيحيل الناذر هذا الفعل سلامة من الشدة المقدرة، ويكون ذلك النذر سببها استخرجته من البخيل للشدة التي عرضت له، فهذا نفسه ((فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني لو لم يقدر عليه الشدة من قبل)) وفيه رد على القدرية.
          وحديث ابن عمر وأبي هريرة سلفا في كتاب القدر، واختلف عندنا في ابتداء النذر فقيل: إنه مستحب، وقيل: مكروه / وبه جزم النووي(1)، ونص الشافعي على أنه خلاف الأولى.
          وحمل بعض المتأخرين النهي على نذر اللجاج، واستحب نذر التبرر، وقام الإجماع على وجوب الوفاء به إذا كان طاعة، وقد قال تعالى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7] فمدحهم بذلك، وقوله ◙: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وإنما اختلف في اليمين بالطاعة، كالصدقة بالمال والمشي إلى مكة، فذهب مالك إلى أن اليمين في ذلك كالنذور وأن كفارتها الوفاء بها.
          ورأى بعض العلماء أنها أيمان يكفرها ما يكفر اليمين، وليست في معنى النذر فيلزم الوفاء؛ لأن النذر قصد به التبرر والطاعة لله، وهذه الأيمان إنما قصد بها إلى أشياء من أمور الدنيا كقولهم: مالي صدقة إن فعلت كذا، فافترقا لهذه العلة.
          قال المهلب: قوله: ((لا يقدم شيئاً ولا يؤخره)) يعني: من قدر الله ومشيئته.
          قوله: (يستخرج به من البخيل) يعني: أن من الناس من لا يسمح بالصدقة والصوم إلا إذا نذر شيئاً لخوف أو طمع، فكأنه لولا ذلك الشيء الذي طمع فيه أو خافه لم يسمح بإخراج ما قدره الله تعالى ما لم يكن يفعله، فهو بخيل.
          قوله: (فيؤتي عليه) يعني: فعل ما يجعله الناذر على نفسه لله ما لم يكن يفعله بغير نذر.


[1] لعل الصواب كما في ابن الملقن: ((الثوري)).