مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إثم من لا يفي بالنذر

          ░27▒ باب إثم من لا يفي بالنذر
          فيه حديث عمران بن حصين عن النبي صلعم قال: ((خيركم قرني)) الحديث وسلف غير مرة.
          وموضع الحاجة منه قوله: ((ثم يجيء قوم ينذرون ولا يفون)) وهو موجب الذم والنقص لمن لم يف بالنذر، وهذا من أشراط الساعة، وقَرَن الشارع من لم يف بالنذر بخيانة الأمانة في قوله: ((ينذرون ولا يفون ويخونون ولا يؤتمنون)) وذلك أن من لم يف لله تعالى بما عاهده فقد خان أمانته في نقضه ما جعله لربه على نفسه، فأشبه ذلك من خان غيره فيما ائتمنه عليه، والأول أعظم خيانة وأشد إثماً، وأثنى الله على أهل الوفاء فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7]، فدل هذا أن الوفاء بالنذر مما يدفع به شر ذلك اليوم(1).
          قوله: (ويظهر فيهم السمن) هو كناية عن رغبتهم في الدنيا وإيثارهم شهواتها على الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه فهم يأكلون في الدنيا كما تأكل الأنعام ولا يقتدون بمن كان قبلهم من السلف، الذين كانت هممهم من الدنيا في أخذ القوت والبلغة وتوفير الشهوات على الآخرة.
          قوله: (ينذرون ولا يفون) كذا وقع هنا ثلاثي، وهو صحيح يقال: وفى بعهده، وأوفى. ولغة القرآن أولى: رباعي.
          قال والدي ⌂:
          (باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز) أي: ملتبساً به مقارناً له؛ أي: هل يكون مؤتدماً حتى يحنث؟
          ولفظ، و(ما يكون) عطف على جملة الشرط والجزاء أي: باب الذي يحصل منه الأدم.
          قوله: (عبد الرحمن بن عابس) بالمهملتين وبالموحدة بعد الألف النخعي الكوفي.
          فإن قلت: كيف دل الحديث على الترجمة؟ قلت: لما كان الثمر غالب الأوقات موجوداً في بيت رسول الله صلعم وكانوا شباعى منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتداماً، أو ذكر هذا الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم ولم يذكر غيره؛ لأنه لم يجد حديثاً بشرطه يدل على الترجمة أو هو أيضاً من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه.
          قوله: (ابن كثير) ضد القليل محمد العبدي البصري، و(قال لعائشة) أي: روى عنها، وقال لعائشة مستفهماً عنها ما شبع آل محمد فقالت نعم والله أعلم.
          قوله: (أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري، و(أم سليم) مصغر السلم أم أنس، و(العكة) بالضم إناء السمن، و(أدمته) أي: خلطت الخبز بالإدام.
          وفيه معجزة، مر في باب علامات النبوة.
          قوله: (علقمة) بفتح المهملة والقاف / وسكون اللام ابن وقاص بتشديد القاف وبالمهملة، الليثي مرادف الأسدي ومر الحديث في أول الصحيح مشروحاً.
          فإن قلت: في بعضها الإيمان بكسر الهمزة؟ قلت: مذهب (خ) أن الأعمال داخلة في الإيمان.
          قوله: (أهدى) أي: جعل هدية للمسلمين أو تصدق به، و(في حديثه) أي: حديث تخلفه عن غزوة تبوك ونزول الآية فيه وفي صاحبيه مرارة بضم الميم وهلال وتخليفه صلعم الثلاثة إنما هو في عدم قبول عذرهم وفي تأخير أمرهم إلى خمسين ليلة بخلاف سائر المتخلفين عن الغزوة ومر قصته.
          قوله: (الحسن بن محمد) ابن الصباح الزعفراني، و(الحجاج) هو ابن محمد الأعور، و(عبيد بن عمير) بلفظ التصغير فيهما، و(يزعم) أي: يقول، و(زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدية، و(أيتنا) بالتاء لغة والمشهور أينا لقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34].
          و(المغافير) جمع: المغفور بضم الميم وبالمعجمة والفاء والراء، وهو نوع من الصمغ يتحلب عن بعض الشجر حلو كالعسل وله رائحة كريهة، ويقال أيضاً مغاثير بالمثلثة، وكان صلعم يكره أن توجد منه الرائحة لأجل مناجاة الملائكة فحرم على نفسه يظن صدقهما، وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في تحريم مارية بالتحتانية الخفيفة القبطية جارية رسول الله صلعم.
          فإن قلت: كيف جاز على أزواجه صلعم أمثال ذلك؟ قلت: هو من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء أو هو صغيرة معفو عنها(2).
          فإن قلت: تقدم في كتاب الطلاق أنه شرب في بيت حفصة والمتظاهرات هي عائشة وسودة وزينب؟ قلت: لعل الشرب كان مرتين وطولنا الكلام ثمة فيه.
          قوله: (لعائشة) أي: الخطاب لها ولقوله بل شربت أي: الحديث كان ذلك القول، و(هشام) أي ابن يوسف الصنعاني سمع عبد الملك بن جريج.
          قوله: (فليح) مصغر الفلح بالفاء واللام والمهملة، و(سعيد) ابن الحارث الأنصاري قاضي المدينة.
          قوله: (لم ينهوا) بلفظ المعروف والمجهول.
          فإن قلت: ليس في الحديث ما يدل على كونهم منهيين؟ قلت: يفهم من السياق أو لما كان مشهوراً بينهم لم يذكره هاهنا وجاء صريحاً في الحديث بعده.
          قوله: (خلاد) بفتح المعجمة وشدة اللام وبالمهملة، و(عبد الله) ابن مرة بضم الميم وشدة الراء.
          قوله: (يلقيه النذر إلى القدر) فإن قلت: الأمر بالعكس فإن القدر يلقيه إلى النذر؟ قلت: تقدير النذر غير تقدير الإنفاق، فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يوصله إلى الإيتاء والإخراج.
          فإن قلت: القياس أن يقال فاستخرج بلفظ المتكلم ليوافق السابق واللاحق؟ قلت: هو التفات وبعده التفات آخر.
          و(يؤتيني) أي: يعطيني على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل النذر.
          فإن قلت: من أين لزم الترجمة؟ قلت: من لفظ يستخرج.
          قوله: (أبو جمرة) بالجيم والراء، نصر بسكون المهملة صاحب ابن عباس، و(زهدم) بفتح الزاي والمهملة وسكون الهاء ابن مضرب بفتح المعجمة وكسر الراء المشددة ويقال بفتحها وبالموحدة الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، و(عمران بن حصين) مصغر الحصن بالمهملتين وبالنون.
          قوله: (خيركم قرني) أي: الصحابة ثم التابعون ثم تبع التابعين، و(ينذرون) بكسر الراء وبضمها، و(يخونون) أي: خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى اعتماد الناس عليهم، و(لا يؤتمنون) / أي: لا يعتقدونهم أمناء، و(يشهدون) أي يتحملونها بدون التحميل أو يؤدونها بدون الطلب، وشهادة الحسبة في التحمل خارجة عنه بدليل آخر (ويظهر فيهم السمن) أي: يتكثرون بما ليس فيهم من الشرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين؛ لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه، ولكن إذا كان مكتسباً لا خلقيًّا مر في مناقب الصحابة.
          الزركشي:
          (ويظهر فيهم السمن) أي: يتكثرون بما ليس فيهم، وقيل: جمعهم الأموال، وقيل: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (خبز بر مأدوم) وفي نسخة: ((مأدم)) وصوابه: مؤدم، يقال: أمته مقصور الهمزة كضربته فاسم مفعوله مأدوم كمضروب، ويقال اآدمته ممدودة الألف كأعلمته فاسم مفعوله مُؤدَم كمُعلَم وأما ما للأسيرى مأدم فلا وجه له.
          (باب أثم من لا يفي بالنذر).
          قوله: (يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثني أبو حمزة) قال بعض الحفاظ: يروي سعيد عن شعبة يروون عن ابن عباس كلهم أبو جمرة إلا أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي البصري، ويعرف هذا من غيره أنه إذا أطلق عن ابن عباس فهو أبو جمرة بالجيم وإذا أرادوا غيره فمن هو بالحاء فيذكروه بالاسم والنسب أو الوصف، كأبي حمزة القصاب عمران بن أبي عطاء في آخر (م) في قصة معاوية قاله الدمياطي في ((حواشيه)).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: دون كلام بعضهم فلان سمين المال مهزول العرض)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: كان صلعم يقسم لتسعة ففي أي وقت كان يأتي مارية: بعد انقضاء الفوت، أو في أثناء ذلك، والحديث يقتضي أنه كان أتاها في أثناء النوب في نوبه)).