مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا حرم طعامًا

          ░25▒ باب إذا حرم طعاماً
          وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} الآية [التحريم:1].
          ثم ساق حديث ابن جريج قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي صلعم كان يمكث عند زينب بنت جحش الحديث.
          وسلف في موضعه. والمغافير: واحده مغفور، وهو شيء ينتجه شجر العرفط كريه الرائحة، وقيل: هو حلو كالناطف يحل بالماء ويشرب، ويقال: مغثور بالثاء كثوم، وفوم، وجدف، وجدث.
          وذكر ابن خلدون في ((تذكرته)) أن المغافير: البطون، كأنه أراد رائحة البطون.
          وقال الكسائي: يقال: خرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه من ثمره.
          وهذا التعليق خرجه مسنداً في التفسير، فقال: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن ابن جريج، عن عطاء، كما سلف.
          قوله: فنزلت إلى آخرها، هذا / قول(1). وأكثر المفسرين على أنها نزلت في مارية حين حرمها على نفسه.
          قوله: (ولن أعود له) قال مالك: إنه حرمه على نفسه باليمين؛ أي: قال: والله لا أعود له؛ فلذلك كفره، وأما من حرم على نفسه طعاماً أو شراباً أو غير ذلك من المباح فلا شيء عليه في فعل ذلك، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يلزمه كفارة يمين في المأكول والمشروب دون الملبوس والطيب.
          قوله في الحديث: (قد حلفت) وهي دالة على أن الكفارة المذكورة في الآية من أجل يمينه.
          قوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم:3] هو ما سلف من قصة مارية والعسل، وأغرب من ذلك: إنه خلافة الصديق وأنه خليفة بعده.
          واختلف في من حرم على نفسه طعاماً أو شراباً أحله الله له على قولين: أحدهما: لا يحرم عليه ذلك، وعليه كفارة يمين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي.
          وثانيهما: وهو قول مالك: لا يكون الحرام يميناً في طعام ولا في شراب إلا في المرأة، فإنه يكون طلاقاً يحرمها عليه، وروى الربيع عن الشافعي كقول مالك: إن حرم على نفسه طعاماً أو شراباً فهو حلال له، ولا كفارة عليه.
          وروي عن بعض التابعين أن التحريم ليس بشيء، وسواء حرم على نفسه زوجته أو شيئاً من ذلك لا يلزمه كفارة في شيء من ذلك، وهو قول أبي سلمة ومسروق والشعبي.
          حجة من لم يوجبها حديث عائشة أن الآية نزلت في شرب العسل الذي حرمه الشارع على نفسه، ولم يذكر في ذلك كفارة.
          وحجة الموجب أن سبب نزولها مارية كما سلف، وكفَّر وأصاب جاريته، وهو قول قتادة وغيره، قال القاضي إسماعيل: الحكم في ذلك واحد؛ لأن الأمة لا يكون فيها طلاق فتطلق بالتحريم، فكان تحريمها كتحريم ما يؤكل ويشرب، ولعل القصة قد كانتا جميعاً في وقتين مختلفين، غير أن أمر الجارية في هذا الموضع أشبه لقوله تعالى: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] ولقوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم:3] فكان ذلك في الأمة أشبه؛ لأن الرجل يغشى أمته في سر ولا يشرب العسل في سر، وتحريم الأمة فيه مرضاة لهن، وتحريم الشراب إنما حرمه للرائحة وقد يمكن أن يكون حرمها وحلف كما روي(2).
          ويمكن أن يكون حرمها بيمينه بالله؛ لأن الرجل إذا قال لأمته: والله لا أقربك فقد حرمها على نفسه باليمين، فإذا غشيها وجبت عليه اليمين، وإذا قال لأمته: أنت علي حرام فلم يحلف، وإنما أوجب على نفسه شيئاً لا يجب، فلم تحرم عليه، ولم تكن كفارة؛ لأنه لم يحلف.
          قال المهلب: والتحريم إنما هو لله ولرسوله، فلا يحل لأحد أن يحرم شيئاً، وقد وبخ الله من فعل ذلك فقال: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ} [المائدة:87]، فجعل ذلك من الاعتداء، وقال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ} [النحل:116] الآية، فهذا كله حجة في أن تحريم الناس ليس بشيء.


[1] بيض المصنف هنا في المخطوط.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: والعسل أيضاً عدم شربه كان في رضاهن إذ كان يمكث عند ساقية العسل فغِرنَ من مكثه عندها لا من شرب العسل، وفي الحديث ما يدل على ذلك صريحاً)).