مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: قول النبي: «وايم الله»

          ░2▒ بابُ قول النبي صلعم: ((وايم الله))
          فيه حديث ابن عمر: بعث رسول الله بعثاً وأمر عليهم أسامة، الحديث وسلف. واختلف في معنى: ايم الله.
          فقال الزجاج: ايم الله، وايمن الله، ومن الله، كل هذه لغات فيها، واشتقاقها عند سيبويه من اليمن والبركة، وألفها عنده ألف وصل، واستدل على ذلك بقول بعضهم: ايمن الله، بكسر الألف، ولو كانت ألف قطع لم تكسر، وسقوطها مع لام الابتداء ولم يجيء في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، وقد تدخل عليها اللام لتأكيد الابتداء، تقول: ليمن الله، تذهب الألف في الوصل، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: ايمن الله: ما أقسم به.
          وقال الفراء وابن كيسان، وابن درستويه: ألفها ألف قطع، وهي جمع: يمين عندهم.
          ومعنى قولهم: يمين الله معنى: يمين الحالف بالله؛ لأن الله تعالى لا يجوز أن يوصف أنه يحلف بيمين، وإنما هذه من صفات المخلوقين.
          وروي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما كانا يحلفان بايم الله، وأبَى الحلف بها الحسن البصري، والنخعي، وعن مالك أنها عنده يمين.
          وقال الطحاوي: هي يمين عند أصحابنا، وهو قول مالك.
          وقال الشافعي: إن لم يرد بها يميناً فليست بيمين.
          وقال إسحاق: إذا أراد بها اليمين كانت يميناً بالإرادة وعقد القلب.
          وقال أبو عبيد: ليمنك، وأيمنك. يمين يحلف بها، وهي كقولهم: يمين الله، ثم يجمع على: أيمن، ثم يحلفون فيقولون: وأيمن الله، ثم كثر في كلامهم، فحذفوا النون، كما حذفوها من: لم يكن، فقالوا: لم يك.
          وروي عن ابن عباس أنه اسم من أسماء الله تعالى، فإن صح ذلك فهو الحلف بالله. قال الجوهري: ربما حذفوا الياء، فقالوا: أم الله، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، فقالوا: مُ الله، ثم كسروها؛ لأنها صارت / حرفاً واحداً، فيشبهونها بالهاء، فيقولون: مَ الله، وربما قالوا: بضم الميم والنون: من الله، ومن الله بفتحها، ومن الله بكسرها.
          قال: وأيمن الله: اسم وضع للقسم، هكذا بضم الميم والنون.
          وعبارة الداودي: ايم الله: يعني اسمه، بكسر الألف، أبدل السين ياء، وفيه نظر؛ لأن السين لا تبدل بالياء؛ ولأن أيمن جمع: يمين، والله أيضاً مفتوح في الروايات، ولم يأت فيها بالكسر على اللغة التي فيه.
          قوله: (لخليقا بالأمارة) أي: حقيقاً لها وأهلاً، يقال: فلان خليق بكذا؛ أي: هو ممن تعذر فيه ذلك.
          و(تطعنون) قال ابن فارس عن بعضهم: طعن بالرمح، يطعن بالضم، وطعن بالقول، يطعن بالفتح، وفي ((الصحاح)): طعن فيه بالقول يطعن، ضبطه بضم العين.
          قال ابن التين: وكذا قرأناه بالضم.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الأيمان والنذور) (اليمين) تحقيق ما لم يجب وجوده بذكر الله تعالى و(النذر) هو التزام المكلف قربه أو صنعها.
          قوله: (محمد بن مقاتل) بكسر الفوقانية المروزي و(عبد الله) هو ابن المبارك.
          فإن قلت: لم لم يقل لم يحنث وما فائدة زيادة لفظ الكون؟ قلت: المبالغة فيه وبيان أنه لم يكن من شأنه ذلك ولا يصح كونه منه.
          و(كفارة اليمين) أي: آيتها وهي قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] الآية قيل: قاله لما حلف لا يبر مسطحاً في قصة الإفك.
          قوله: (غيرها) فإن قلت: ما مرجع الضمير إذ ليس المراد غير اليمين خيراً منها؟ قلت: مرجعه اليمين إذ المقصود منها المحلوف عليه مثل الخصلة المفعولة أو المتروكة إذ لا معنى لقوله لا أحلف على الحلف.
          قوله: (محمد ابن الفضل) بسكون المعجمة و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء المكررة ابن حازم بالمهملة والزاي و(الحسن) أي البصري و(عبد الرحمن بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم وسكونها وبالراء، الأموي افتتح سجستان مات سنة خمسين.
          قوله: (وكلت) بالتشديد والتخفيف وفيه كراهة سؤال ما يتعلق بالحكومة نحو القضاء والحسبة ونحوهما وأن من سأل لا يكون معه إعانة من الله فلا يكون له كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يولى.
          وفيه أن من حلف على فعل أو ترك وكان الحنث خيراً من التمادي عليه استحب له الحنث بل يجب نظراً إلى ظاهر الأمر والسياق مشعر بجواز تقديم الكفارة على الحنث، وعليه الشافعي ومالك واستثنى الشافعي التكفير بالصوم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها كالصلاة بخلاف الماليات، فإنها تجوز كما في تعجيل الزكاة.
          الخطابي: فيه جواز تقديمها وهو في غير الصوم فإنه بدل عن الواجب ولا وجوب للأصل ما لم يحنث فلا معنى للبدل.
          قوله: (غيلان) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالنون ابن جرير بفتح الجيم و(أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن أبي موسى الأشعري و(أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا من الإبل وتحمل أثقالنا وذلك كان في غزاة تبوك، وقال تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} الآية [التوبة:92].
          قوله: (ثلاث ذود) وهو الإبل من الثلاث إلى العشرة قيل هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه و(الغر) جمع الأغر وهو الأبيض و(الذرى) بضم الذال وكسرها جمع الذروة بالكسر والضم وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة.
          فإن قلت: تقدم في كتاب الجهاد في باب الخمس أنه خمس ذود وفي غزوة تبوك أنه ستة أبعرة؟ قلت: لا منافاة بينهما إذ ليس في ذكر الثلاث نفي الخمس والست(1).
          قوله: (بل الله حملكم) ترجم (خ) لهذا الحديث قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] بناء على مذهب أهل السنة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقال المازري: بتقديم الزاي على الراء معناه أن الله أعطاني ما أحملكم عليه ولو لا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم. وقال القاضي عياض: ويجوز أن يكون أوحى إليه أن يحملهم.
          قوله: (أو أتيت) هذا إما شك من الراوي في تقديم أتيت على كفرت وبالعكس، وإما تنويع من رسول الله صلعم إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها.
          قوله: (نحن الآخرون السابقون) أي: المتأخرون في الدنيا المتقدمون في القيامة.
          فإن قلت: ما وجه ذكره هاهنا وأي دخل له فيه؟ قلت: / هذا أول حديث في صحيفة همام عن أبي هريرة وكان همام إذا روى الصحيفة استفتح بذكره ثم سرد الأحاديث فذكره الراوي أيضاً كذلك ومر مثله في آخر الوضوء وفي أول الجمعة وغيرهما.
          قال ابن بطال: وأما إدخال (خ) ذلك هنا فيمكن أن يكون سمع ذلك أبو هريرة من رسول الله صلعم في نسق واحد فحدث بهما جميعاً كما سمعهما ويمكن أن الراوي فعل ذلك لأنه سمع من أبي هريرة أحاديث في أوائلها ذلك فذكرها على الترتيب الذي سمعه.
          قوله: (يلج) بفتح اللام وكسرها أي: يصر ويقيم عليه ولا يتحلل منه بالكفارة و(آثم) بلفظ أفعل التفضيل.
          فإن قلت: هذا يشعر بأن إعطاء الكفارة فيه إثم لأن الصيغة تقتضي الاشتراك، قلت: نفس الحنث فيه إثم لأنه يستلزم عدم تعظيم اسم الله تعالى وبين إعطاء الكفارة وبينه ملازمة عادة.
          قال النووي: بنى الكلام على توهم الحالف فإنه يتوهم أن عليا آثماً في الحنث ولهذا يلج في عدم التحلل بالكفارة فقال صلعم في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم ومعنى الحديث أنه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ولا يكون في الحنث معصية ينبغي له أن يحنث ويكفر.
          فإن قلت: لا أحنث وأخاف الإثم فيه فهو مخطئ بل استمراره في إدامة الضرر على أهله أكثر إثماً من الحنث ولا بد من تنزيله على ما إذا لم يكن الحنث معصية إذ لا يجوز الحنث في المعاصي.
          قوله: (إسحاق) قال الغساني: يشبه أن يكون ابن منصور و(يحيى بن صالح) الحمصي روى عنه (خ) بلا واسطة في الصلاة و(معاوية) هو ابن سلام بالتشديد الحبشي الأسود و(يحيى) هو ابن أبي كثير ضد القليل(2).
          قوله: (ليس يعني الكفارة) وفي بعضها ليبر بلفظ أمر الغائب من البر أو الإبرار والأولى هي الأولى إذ هو تفسير لا يستلج بمعنى الاستلجاج هو عدم عناية الكفارة وإرادتها، وأما المفضل عليه فهو محذوف يعني أعظم من الحنث وصحفه بعضهم فقال هو بإعجام العين والجملة استئناف أو صفة للإثم يعني: إثماً لا يغني عنه كفارة وأما الثانية فلعل المراد منها ليفعل البر أي: الخير بترك اللجاج يعني: يعطي الكفارة وإنما فسره بذلك لئلا يظن أن البر هو البقاء على اليمين.
          قوله: (بعثا) أي: سرية وطعنوا في إمارته إما لصغر سنه وإما لكونه من الموالي وإما لعدم تجريبه بأحوال الرياسة وإما لغير ذلك و(أيم الله) الهمزة فيه للوصل وهو اسم وضع للقسم أو هو جمع يمين حذف منه النون و(تطعنون) المشهور فيه الفتح: يعني أنهم طعنوا في إمارة أبيه زيد وظهر لهم في آخر الأمر أنه كان جديراً لائقاً بها فكذلك حال أسامة و(الأحب) بمعنى: المحبوب مر في المناقب.
          الزركشي:
          (الإمارة) بكسر الهمزة.
          (وكلت) بتخفيف الكاف المكسورة: ((رددت)).
          (وإذا حلفت على يمين) إن قيل: الحلف باليمين لا على اليمين، قلنا: فيه وجهان:
          أحدهما: أن ((على)) بمعنى الباء، ففي رواية (ن): ((إذا حلفت بيمين)).
          الثاني: أنها على بابها وسمي المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين، والتقدير: على شيء مما يحلف عليه.
          (لأن يلج) بفتح لام ((لأن)) وهي لام القسم، و((يلج)) بفتح الياء واللام وتشديد الجيم.
          (آثم) بهمزة ممدودة وثاء مثلثة؛ أي: أكثر إثماً.
          (استلج) بالجيم استفعل من اللجاج، ومعناه: أن يحلف على شيء ويرى أن غيره خيراً منه ليتم على يمينه، ولا يحنث ويكفر، فذلك آثم له.
          وقيل: هو أن يرى أنه صادق فيها فيلج ولا يكفرها، ويروى: ((استلجج)) بفك الإدغام، وهي لغة قريش فيظهرونه مع الجزم.
          (ليس يعني الكفارة) قال القرطبي: ضبط في بعض الأمهات: ((يغني)) بالياء المضمومة وبالغين المعجمة وليس بشيء، ووجدناه في الأصل المعتمد عليه بالياء المفتوحة وبالعين المهملة وعليه علامة الأصيلي وفيه بعد، ووجدناه عليه بالياء المثناة من تحت وهو أقرب.
          وعند ابن السكن: ((يعني ليس الكفارة))، وهذا عندي أشبهها إذا كانت ((ليس)) استثناء بمعنى إلا، أي: إذا لج في يمينه كان أعظم إلا أن يكفره.
          وقال أبو الفرج: ((ليس تغني الكفارة)) كأنه أشار إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر ولا يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك / لا لقصد، وبعضهم يفتح نون ((يغني))، والمعنى: يترك، من قول عثمان: أغنها عنا؛ أي: اصرفها واتركها، فيكون المعنى أن الكفارة لا ينبغي أن تترك.
          (في إمرته) ويروى في أمارته.
          (وإيم الله) بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة، وحكى الأخفش كسر الميم مع كسر الهمز، ولغاتها نحو العشرين لكثرة استعمالهم لها في القسم، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (من استلج) هو استفعل من اللجاج ومعناه: أن يحلف أن لا يفعل أهله خيراً أو لا يعطها حقها فتماديه على يمينه آثم له عند الله من أن يحنث ويكفر وقيل هو أن يرى أنه صادق فيها مصيب فيلج فيها ولا يكفرها.
          قوله: (إثم حرج) عن لفظ المفاعلة المقضية للاشتراك في الإثم؛ لأنه قصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف فإنه متوهم أن عليه إثماً في الحنث مع أنه لا إثم عليه.
          فإن قلت: ما مناسبة قوله ◙ وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها الحديث مع أول الحديث يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة إلى آخره؟ قلت: والله أعلم يحتمل أنه ◙ لما وصاه بهذه الوصية وهي عدم طلب الولاية قال له في آخر كلامه: فإن قدر الله لك ووليت ولاية من غير مسألة، فإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها إلى آخره فتكون وصية بعد وصية، هذا ما ظهر لي ولم أر أحداً من الشراح يعرض لهذا السؤال والله أعلم بمراد رسوله ◙.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: ما مناسبة لا تسأل الإمارة الحديث إلى آخره بما تقدم ما حلفت عليه يمين إلى آخره، قلت: والله أعلم يحتمل أن يكون معناه يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإن كنت لا تحلف على يمين ورأيت غيرها خيراً الحديث)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: قد قال ◙: اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي الحديث إلى آخره، قلت: خففوا في إمارة وقدر أسامة مع أن المولي لهما سيد الخلق فكان أحرى أن يتبعه ولا يعترض)).