مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إن حلف أن لا يشرب نبيذًا فشرب طلاءً أو سكرًا أو عصيرًا

          ░21▒ باب من حلف أن لا يشرب نبيذاً فشرب طلاءً / .. إلى آخره
          فيه حديث سهل بن سعد أن أبا أسيد صاحب النبي صلعم أعرس فدعا رسول الله لعرسه، فكانت العروس خادمهم الحديث.
          وحديث سودة أم المؤمنين من طريق عكرمة عن ابن عباس قالت: ماتت لنا شاة الحديث.
          أما ترجمة الباب فلا شك أنه إذا كان الطلاء والسكر يسكران، فيحنث، وبعض الناس المراد به الإمام أبو حنيفة ☺ فإنه زعم أن الطلاء والعصير ليسا بنبيذ في الحقيقة، وإنما النبيذ ما نبذ في الماء وأنقع فيه.
          قوله: (سكرا) أي: ما يسكر بما يعصر ولا ينبذ، ويعني بقوله: (أو عصيرا) ما كان حديث العصر من العنب ولم يبلغ حد السكر، وبالطلاء ما طبخ من عصير العنب حتى بلغ إلى ما لا يسكر، فلا يحنث عنده في شرب شيء من هذه الثلاثة؛ لأنها لم تنبذ، وإنما يحنث عند شرب ما نبذ في الماء من غير العنب، سواء أسكر أو لم يسكر.
          ووجه تعليق (خ) من حديث سهل في الرد على أبي حنيفة هو أن سهلاً إنما عرف أصحابه؛ لأنه لم يسق الشارع إلا نبيذاً قريب العهد بالإنباذ بما يحل شربه.
          ألا ترى قوله: أنقعت له تمراً في تور من الليل حتى أصبح عليه فسقيته إياه. وهكذا كان ينبذ له ◙ ليلاً ويشربه غدوة، وينبذ له غدوة ويشربه عشية، ولو كان بعيد العهد بالانتباذ مما بلغ حد السكر لم يجز أن يسقيه ◙، يفهم من هذا: أن ما بلغ حد السكر من الأنبذة حرام؛ كالمسكر من عصير العنب، وأن من شرب سكراً من أي نوع كان، سواء كان معتصراً أو منتبذاً، فإنه يحنث؛ لاجتماعهما في حدوث السكر وكونها كلها خمراً.
          ووجه استدلاله من حديث سودة أنهم حبسوا مسك اششاة للانتباذ فيه الذي يجوز لهم شربه غير المسكر ووقع عليه اسم نبيذ، ولو ذكر حديث أنس حين كسر الجرار من نبيذ التمر كان أقرب للتعلق وأصح للمعنى، كما نبه عليه ابن بطال؛ لأنهم لم يكسروا جرار نبيذ التمر المسكر في معنى عصير العنب المسكر في التحريم؛ لأنهم كانوا أتقى لله بأن يتلفوا نعم الله ويهرقوها استخفافاً بها، وقد نهى الشارع عن إضاعة المال، ولو كان المسكر غير خمر لجاز ملكه وبيعه وشربه وهبته، وكانت إراقته من الفساد في الأرض.
          وحديث سودة في الباب من أفراد (خ) كحديث ابن عباس: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) فإنه من أفراد (م)، أما حديث ابن عباس، عن ميمونة: مر ◙ بشاة لها فقال: ((ألا انتفعتم بجلدها)) فمن المتفق عليه لا كما زعمه خلف في ((أطرافه)) وتبعه عليه الدمياطي فاحذره.
          والطلاء بكسر الطاء والمد، قال أبو عبد الملك: هو أن يطبخ عصير العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ويقال إنه اسم من أسماء الخمر، والسكر بفتح السين والكاف قال الجوهري: هو نبيذ التمر، وقال ابن عباس وغيره: هو ما حرم. فعلى هذا: من يقول الطلاء والسكر مسكران يصح ما تقدم ممن يقول: هما نبيذ، ولا يصح ذلك في السكر؛ لأنه نبيذ، ويصح في الطلاء؛ لأنه لا ينطلق ذلك عليه.
          ومعنى أعرس: اتخذ عرساً، وأعرس بأهله: / إذا بنى بها. والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما، يقال: رجل عروس في رجال عرس، وامرأة عروس في نساء عرائس. والتور بفتح المثناة فوق: إناء يشرب فيه.
          وسلف الحديث في الأنكحة والمسك بفتح الميم وسكون السين، والشن بفتح الشين: القربة البالية. والشنة أيضاً، وكأنها صغيرة، والجمع: شنان. ونبذ ثلاثي بفتح النون وكسر الباء، قال تعالى: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} [الأنفال:58] قال الجوهري: والعامة تقول: أنبذت.
          قال والدي ⌂:
          (باب اليمين الغموس) هي التي تغمس صاحبها في الإثم أو في النار، وهي الكاذبة التي تعمدها صاحبها عالماً أن الأمر بخلافه، واختلف فيها فقالت الحنفية: لا كفارة لها إذ هي أعظم من ذلك.
          قوله: (النضر) بسكون المعجمة ابن شميل مصغر الشمل بالمعجمة، و(فراس) بكسر الفاء وخفة الراء وبالمهملة ابن يحيى المكتب، و(العقوق) خلاف البر.
          فإن قلت: قال الفقهاء: الكبيرة هي معصية توجب حدًّا ولا حد فيه؟ قلت: المشهور عند الجمهور أنها معصية أو عد الشارع عليها بخصوصه.
          قوله: (يمين صبر) هي اليمين التي تصبر أي: يحبس عليها الشخص حتى يحلف، و(أبو عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود، و(بينتك) بالنصب أي: أحضر أو أطلب بينتك وبالرفع أي: المطلوب بينتك أو يمينه إن لم تكن لك بينة، و(إذن) جواب وجزاء فينصب يحلف مر الحديث في كتاب الشرب.
          قوله: (بريد) مصغر البرد بالموحدة والراء والمهملة، و(أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء وبالمهملة، و(الحملان) بضم المهملة وتسكين الميم، ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة، و(لما أتيته) أي: مرة أخرى بعد ذلك.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم ابن المنهال بكسر الميم وسكون النون وكلمة ح مسطورة قبله، وهو إشارة إلى التحويل من إسناد إلى إسناد آخر أو إلى الحائل بين الإسنادين أو إلى الحديث أو إلى صح وبعضهم يقوله بالخاء المعجمة إشارة إلى إسناد آخر.
          و(عبد الله النميري) مصغر الحيوان المشهور، و(يونس) فيه ستة أوجه الهمزة والواو وحركات النون (ابن يزيد) من الزيادة الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتانية، و(طائفة) أي: قطعة، و(مسطح) بكسر الميم وإسكان المهملة الأولى وفتح الثانية، ابن أثاثة بضم الهمزة وخفة المثلثة الأولى القرشي وأمه سلمى كانت بنت خالة أبي بكر الصديق ☺ وكان هو من أهل الإفك.
          فإن قلت: كيف دل الحديثان على الجزئين الأولين من الترجمة؟ قلت: لعله قاسهما على الغضب أو أراد بقوله في المعصية في بيان المعصية لأن الصديق حلف بسبب إفك مسطح على عائشة أو إفكه كان من المعاصي، وكذا كل ما لا يملك الشخص فالحلف عليه موجب للتصرف في ملك ما لا يملك فعل ذلك؛ أي: ليس له أن يفعله مشرعاً هذا.
          والظاهر أنه من جملة تصرفات النقلة عن أصل (خ) إذ قال بعضهم: نقلنا عنه وفيه مبيضات كثيرة وتراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضفنا البعض إلى البعض.
          فإن قلت: فما حكمها هل ينعقد اليمين وتجب الكفارة فيهما؟ قلت: مختلف فيه، وميل (خ) إلى الانعقاد والوجوب حيث سلكهما في سلك الغضب.
          قوله: (أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله، و(القاسم) هو ابن عاصم، و(زهدم) بفتح الزاي والمهملة وسكون الهاء بينهما الجرمي بفتح الجيم، و(تحللتها) أي: / كفرتها.
          قوله: (فهو على بينة) يعني: إن قصد بالكلام ما هو كلام عرفاً لا يحنث بهذه الأذكار والقراءة والصلاة وإن قصد الأعم يحنث بها.
          قوله: (أفضل الكلام) فإن قلت: ما وجه الأفضلية؟ قلت: فيه إشارة إلى جميع صفات الله تعالى عدمية ووجودية إجمالاً لأن التسبيح إشارة إلى تنزيه الله تعالى عن النقائص والتحميد إلى وصفه بالكمالات فالأول فيه نفي النقصان، والثاني فيه إثبات الكمال والثالث إلى تخصيص ما هو أصل الدين وأساس الإيمان يعني: التوحيد والرابع: إلى أنه أكثر مما عرفناه سبحانك ما عرفناك حق معرفتك.
          فإن قلت: ما وجه مناسبته بكتاب اليمين؟ قلت: غرض (خ) بيان أن الأذكار ونحوها كلام وكلمة فيحنث بها.
          قوله: (هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف قيصر ملك الروم وقال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح:26] أي: لا إله إلا الله.
          قوله: (سعيد بن المسيب) بفتح التحتانية وقيل بكسرها قالوا هذا مما يبطل القاعدة القائلة بأن شرط (خ) أن لا يروي عن شخص حتى يكون له راويان، إذ ليس للمسيب إلا راو واحد وهو ابنه فقط مر قصة أبي طالب في آخر كتاب فضائل الصحابة.
          قوله: (محمد بن فضيل) مصغر الفضل بالمعجمة، و(عمارة) بضم المهملة وخفة الميم وبالراء، ابن القعقاع بالقافين والمهملتين، و(أبو زرعة) بضم الزاي وسكون الراء، هرم البجلي، و(الحبيبة) فعيلة بمعنى المفعول مر الحديث في آخر كتاب الدعوات بلطائف.
          قوله: (شقيق) بكسر القاف الأولى، و(الند) المثل.
          فإن قلت: العكس الظاهر أن يقال: من مات لا يجعل لله ندًّا لا يدخل النار؟ قلت: هذا هو الصحيح لأن الموحد ربما يدخل النار، لكن دخول الجنة محقق لا شك فيه وإن كان آخراً.
          قوله: (آلى) أي: حلف وذلك أنه أسر إلى بعض أزواجه حديثاً فأفشته وليس المراد به الإيلاء الفقهي، و(المشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها الغرفة.
          قوله: (الطلاء) بكسر المهملة وبالمد هو أن يطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ويصير ثخيناً مثل طلاء الإبل ويسمى بالمثلث، و(السكر) بفتحتين نبيذ يتخذ من التمر، والغالب أن (خ) يريد بقوله بعض الناس في أمثال هذه المسائل الحنفية.
          قوله: (علي) أي: ابن المديني، و(عبد العزيز) ابن أبي حازم بالمهملة والزاي، و(أبو أسيد) مصغر الأسد مالك الساعدي وذكر لفظ صاحب النبي صلعم إما استلذاذاً أو افتخاراً وتعظيماً له وإما تفهماً لمن لا يعرفه، و(العروس) يطلق على الذكر والأنثى والمراد به هاهنا الزوجة.
          فإن قلت: فلم لم يقل خادمتهم؟ قلت: لأنه يطلق على الرجل والمرأة كليهما.
          و(الثور) بفتح الفوقانية وبالواو وبالراء إناء، مر في كتاب الأشربة.
          قوله: (سودة) بفتح المهملتين وإسكان الواو بينهما بنت زمعة بفتح الزاي والميم والمهملة العامرية، و(المسك) بفتح الميم الجلد، و(الشن) القربة الخلق.
          فإن قلت: ما مناسبة الحديث للباب؟ قلت: مفهوم نبيذ إذ المتبادر إلى الذهن منه أنها سمت المتخذ من التمر ففيه الرد على بعض الناس.
          الزركشي:
          (يمين صبر) بالإضافة، أي: ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم؛ أي: يجبر عليها. /
          (أحاج لك بها) أي أظهر بها الحجة.
          (الطلاء) بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير العنب، وهو الرب.
          (السكر) بفتحتين: كل مسكر.
          (أن أبا أسيد) بضم الهمزة.
          (أعرس) هذا هو الكثير، ويروى: ((عرس))، وسبق في العقيقة.
          (مسكها) بفتح الميم وإسكان السين، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (أعرس فدعا) أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائه بها ولا يقال فيه عرس.
          و(التور) شبه الطست من النحاس.
          قوله: (مسكها) بسكون المهملة الجلد وفتح الميم وتكسر الميم الطيب المعروف.
          و(السن) الوعاء العتيق من الأديم.
          قوله: (علي يمين صبر) أي: ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس.
          قوله: (وهو عليه غضبان) فإن قلت: ما الحكمة في أنه يكون على الحالف بهذه اليمين غضباناً ولا يكون على غيره فيمن ارتكب الكبائر غضبان؟ قلت: لا نسلم أنه لم يكن على مرتكب غير هذه اليمين غضبان.
          فإن قلت: فما الحكمة في تخصيص هذه الكبيرة بهذه اللفظة؟ قلت: والله أعلم أنه هنا حلف بالله وباسمه وصفته ففيه استخفاف باسم الله تعالى ما ليس في ارتكاب غيره من المعاصي، وهو ظاهر بدليل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} الآية [آل عمران:77].
          قوله: (إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)، وفي الروايات: في الصحيح إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.
          فإن قلت: موضوع الكفارة ومقتضاها أن تكون الكفارة متأخرة عن الحنث لأنها وصفت لتكفيرها ما حصل من الإثم بسبب الحنث فتقديم الكفارة على الحنث فيه إشكال؟ قلت: هو من باب تقديم الزكاة في أول الحول وزكاة الفطر من أول رمضان ونحو ذلك.
          قوله: (كلمة أحاج لك بها) إلى آخره.
          فإن قلت: إذا قال الكافر الكلمة لا تحتاج إلى محاجة عنه، فإن الكلمة جعلته مؤمناً لغيره من المؤمنين ولم يرد في حق المؤمنين أنه ◙ يحاج عنهم، بل يشفع لهم ولغيرهم من الأمم وهو صاحب الشفاعة العظمى والمقام المحمود؟ قلت: والله أعلم لعل المراد من قوله: أحاج لك أشهد لك بها عند الله تعالى.
          قوله: (والعروس خادمهم) اسمها: أم أسيد كما جاء مصرحاً به.
          قوله: (بعض الناس) يعني به: أبا حنيفة.
          أقول: والحنفية تشنع على (خ) ويقولون إنه يذكر أبا حنيفة في كتابه قال بعض الناس يعني به أبا حنيفة ولا يذكره باسمه ولا كنيته؟ قلت: قد سبقه إلى ذلك الإمام أبو ثور ذكر ابن المنذر في ((الإشراف)) في باب الشيء المقسوم يستحق بعضه ما لفظه.
          وقال أبو ثور: قال بعض الناس يعني النعمان إذا لم يحضر خصم وارث الميت ولا طالب دين ولا وصية ولا مطلوب بحق الميت فعلمه ولا ينبغي للقاضي أن يسمع من بنيه ولا يقضي له بالوصية.
          أقول: فلا عتاب حينئذ على (خ) فإنه تبع أبا ثور في هذه العبارة.
          قال النووي في ((تهذيبه)) هو أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي الإمام الجليل أحد الأئمة المجتهدين والعلماء البارعين.
          وقال الخطيب البغدادي: هو أحد الثقات المأمومين ومن الأئمة الأعلام في الدين، ثم قال: ومناقبه وفضائله ومحاسنه المتظاهرة أكثر من [أن] تحصر وأشهر من أن يشهر سمع الحديث من ابن عيينة وابن علية ووكيع وأبي معاوية الضرير والشافعي وآخرين، روى عنه أبو حاتم الرازي، و(م) وأكثر عنه في صحيحه، و(د) (ت) (ق) وآخرون وتوفي في صفر سنة أربعين ومائتين ⌂.
          والبخاري مات سنة ستة وخمسين ومائتين فهو متأخر عن أبي ثور فلا عتاب على (خ)؛ لأنه تبع من قال قبله هذه العبارة والله أعلم.