نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: هزم المشركون يوم أحد هزيمةً تعرف فيهم

          6668- (حَدَّثَنَا فَرْوَةُ) بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو (ابْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد، أبو القاسم الكندي الكوفي، قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء، أبو الحسن القرشي الكوفي، تولى قضاء نواحي الموصل، مات سنة تسع وثمانين ومائة (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) أي: ابن الزُّبير (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ) ♦، أنَّها (قَالَتْ: هُزِمَ) بضم الهاء وكسر الزاي (الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ) وقعة (أُحُدٍ هَزِيمَةً تُعْرَفُ فِيهِمْ) على البناء للمفعول (فَصَرَخَ إِبْلِيسُ) يخاطب المسلمين.
          (أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ) أي: احذروا الَّذين من ورائكم فاقتلوهم، أراد أن يقتلَ المسلمون بعضهم بعضًا، فرجعت الطَّائفة المتقدِّمة / قاصدين لقتال الأخرى، ظانِّين أنَّهم من المشركين، فتجالد الطَّائفتان، ويحتمل أن يكون الخطاب للكافرين، وفي رواية أبي ذرٍّ: <آخركم> (فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ) لقتال أخراهم (فَاجْتَلَدَتْ) بالجيم، فاقتتلتْ (هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ) اليمان يقتله المسلمون يظنُّونه من المشركين (فَقَالَ) حذيفة لهم: هذا (أَبِي أَبِي) وقع مكررًا يعني: يا قوم هذا أبي لا تقتلوه.
          (قَالَتْ) عائشة ♦: (فَوَاللَّهِ مَا انْحَجَزُوا) بالنون الساكنة والحاء المهملة والجيم المفتوحة والزاي المضمومة، كذا في اليونينية، وفي نسخة: <ما احتجزوا> بفوقية بين الحاء والجيم من غير نون. يُقال: حجزه يحجزه حجزًا: إذا منعه؛ أي: ما امتنعوا وما انفصلوا عنه (حَتَّى قَتَلُوهُ) وعند أبي إسحاق: ((وأمَّا اليمان: فاختلت أسياف المسلمين فقتلوه، ولا يعرفونه فقال حذيفة: قتلتم أبي قالوا: والله ما عرفناه)).
          (فَقَالَ حُذَيْفَةُ) معتذرًا عنهم (غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ) أي: ابن الزُّبير (فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا) أي: من قتلة أبيه (بَقِيَّةٌ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) ╡، وقوله: ((بقية)) مرفوع بقوله: ما زالت. قال الكرماني: أي: بقيَّة من حزنٍ وتحسُّرٍ من قتل أبيه بذلك الوجه، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحمويي والمستملي: <بقية خير> بالإضافة إلى خير السَّاقط في الرِّواية الأخرى التي هي رواية الكُشميهني؛ أي: استمرَّ الخير فيه من الدُّعاء والاستغفار لقاتل أبيه.
          واعترض الحافظُ العَسقلاني على الكرماني في تفسيره: «بقيَّة» بالحزن والتَّحسُّر، فقال: إنَّه وهمٌ.
          والصَّواب: أنَّ المراد أنَّه حصل له خيرًا بقوله للمسلمين الَّذين قتلوا أباه خطأ: عفا الله عنكم، واستمرَّ ذلك الخير فيه إلى أن مات.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ نسبته الكرماني إلى الوهم وهمٌ؛ لأنَّ الكرماني إنَّما فسَّره على رواية الكُشميهني، والأقرب فيها ما فسَّره؛ لأنَّه متحسِّرٌ على قتل أبيه على يد المسلمين غاية التَّحسُّر، ويجاب: بأنَّه لم ينكر أنَّه تحسَّر، وإنَّما أنكر تفسير خيرٍ بالتَّحسُّر.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من حيث إنَّ النَّبي صلعم لم ينكر على الَّذين قتلوا اليمان؛ لجهلهم، فجعل الجهل هنا كالنِّسيان، / فبهذا الوجه دخل الحديث في الباب مع أنَّ فيه ذكر اليمين، وهو قول حذيفة: «فوالله».
          وقد مضى الحديث في آخر «المناقب»، في باب «ذكر حذيفة» [خ¦3824].