نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهلية ثم أسلم

          ░29▒ (باب: إِذَا نَذَرَ) شخص (أَوْ حَلَفَ: أَنْ لاَ يُكَلِّمَ إِنْسَانًا، فِي الْجَاهِلِيَّةِ) قبل الإسلام، وهي زمان فترة النُّبوات قبل بعثة نبينا صلعم ، قاله الكرمانيُّ (ثُمَّ أَسْلَمَ) أي: النَّاذر، ولم يبيَّن حكمه، وهو جواب إذا، فإن نقل أحدٌ عن البخاري أنَّه ممَّن يوجب ذلك؛ فجواب «إذا» يجب / ذلك، وإلَّا يكون جوابه: يندب.
          وقال ابن بطَّال: قاس البخاري اليمين على النَّذر، وترك الكلام على الاعتكاف، وقد ذكر فيه حديث عمر ☺ في نذره في الجاهليَّة أن يعتكفَ، فقال له النَّبي صلعم : ((أوف بنذرك)). فمن نذرَ وحلف قبل أن يُسْلمَ على شيءٍ يجبُ الوفاء به لو كان مسلمًا، فإنَّه إذا أسلم يجب عليه على ظاهر قصَّة عمر ☺، وبه يقول الشَّافعي وأبو ثور، كذا قال، وكذا نقله ابن حزمٍ عن الشَّافعي. والمشهور عند الشَّافعيَّة: أنَّه وجه لبعضهم، وأنَّ الشَّافعي وجُلَّ أصحابه على أنَّه لا يجب بل يستحبُّ، وكذا قال المالكيَّة والحنفيَّة. وعن أحمد في رواية: يجب، وبه جزم الطَّبري والمغيرة بن عبد الرَّحمن من المالكيَّة والبخاري وداود الظَّاهري وأتباعه.
          قال الحافظُ العسقلاني: إن وُجِد عن البخاري التَّصريح بالوجوب قُبِل، وإلَّا فمجرَّد التَّرجمة لا يثبت وجوبه عنده؛ لأنَّه يحتمل أن يقولَ بالنَّدب فيكون تقدير الاستفهام: يُندبُ له ذلك، وقد مرَّ. وقال القابسي: لم يؤمر عمر ☺ على جهةِ الإيجاب بل على جهة المشورة، كذا قال، وقيل: أراد أن يعلمهم أنَّ الوفاء بالنذر من آكد الأمور، فغلَّظ أمره بأنَّ أمر عمر ☺ بالوفاء، واحتجَّ الطَّحاوي: بأنَّ الَّذي يجب الوفاء به ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى، والكافر لا يصحُّ منه التَّقرُّب بالعبادة.
          وأجاب عن قصَّة عمر ☺: باحتمال أنَّه صلعم فهم من عمر أنَّه سمح بأن يفعلَ ما كان نذره فأمره به؛ لأنَّ فعله حينئذٍ يكون طاعةً لله تعالى، وكان ذلك خلاف ما أوجبه على نفسهِ؛ لأنَّ الإسلام يهدمُ أمرَ الجاهلية.
          قال ابنُ دقيق العيد: ظاهر الحديث بخلاف هذا، فإنْ دلَّ دليلٌ أقوى من هذا على أنَّه لا يصحُّ من الكافر قويَ هذا التَّأويل وإلَّا فلا.