نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان

          ░15▒ (باب: إِذَا حَنِثَ) بكسر النون وبالمثلثة، الحالف حال كونه (نَاسِيًا فِي الأَيْمَانِ) هل تجبُ عليه الكفَّارة أو لا (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}) وسقطت الواو في: {وَلَيْسَ} في رواية أبي ذرٍّ؛ أي: ليس عليكم إثم فيما فعلتموهُ مخطئين، ولكنَّ الإثم فيما تعمَّدتموه، وذلك أنَّهم كانوا ينسبون زيد بن حارثة إلى النَّبي صلعم يقولون: زيد بن محمَّد، فنهاهُم عن ذلك، وأمرهم أن ينسبوهم لآبائهم الَّذين ولدوهم، ثمَّ قال: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5] قبل النَّهي. ويُقال: إنَّ هذا على العموم فيدخل فيه كلُّ مخطئٍ.
          وغرضُ البخاريِّ هذا يدلُّ عليه حديث الباب، وقد تمسَّك بهذه الآية من قال بعدم حنث من لم يتعمَّد، وفعل المحلوف عليه ناسيًا، أو مكرهًا. ووجهه: بأنَّه لا يُنسب إليه فعله شرعًا لرفع حكمه عنه بهذه الآية فكأنَّه لم يفعله.
          (وَقَالَ: {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف:73]) هذه في آيةٍ أخرى في سورة الكهف يخاطبُ موسى ◙ الخضر ◙، وذلك بعد ما جرى من أمر السَّفينة. فإن قيل: الخطأ نقيضُ الصَّواب، والنِّسيان خلاف الذِّكر، ولم يذكر في التَّرجمة إلَّا النِّسيان فلا يطابقها إلَّا الآية الثَّانية، وكذلك لا يناسب التَّرجمة من أحاديث الباب إلَّا الَّذي فيه تصريحٌ بالنِّسيان، والآية الأولى لا مطابقة لها في الذكر هنا، ألا يرى أنَّ الدِّية تجب في القتل خطأ، وإذا اتلف مال الغير خطأ فإنَّه يغرم.
          فالجواب: أنَّه إنَّما ذكر الآية الأولى وأحاديث الباب على الاختلاف إشارة إلى أنَّها أصول الفريقين ليستنبط كلُّ أحدٍ منها ما يوافقُ مذهبه، ولهذا لم يذكر الحكم في التَّرجمة، وإنَّما ذكر ما هو أصول الأحكام، ومواد الاستنباط الَّتي تصلح أن يقاسَ عليها فتيقَّظ، ووجوب الدِّية في الخطأ وغرامة المال بإتلافه خطأ من خطاب الوضع، فإنَّه موضعٌ دقيقٌ، وليس الكلام فيه.