نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}

          ░14▒ (باب: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225]) أي: ما يجري على اللِّسان من غير قصدٍ للحلف نحو: لا والله، وبلى والله ({وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}) يعاقبكُم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذبِ في اليمين، وهو أن يحلفَ على ما يعلم أنَّه خلاف ما يقوله، وهو اليمين الغموس. وقيل: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}: أي: عزمتُم وقصدتم وتعمَّدتم؛ لأنَّ كسبَ القلب القصد والنِّيَّة، وتمسَّك الشَّافعي بهذا النَّصِّ على وجوب الكفَّارة / في اليمين الغموس؛ لأنَّ كسبَ القلب العزم والقصد، فذكر المؤاخذة بكسب القلب. وقال في آية المائدة: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة:89] وعقد اليمين محتملٌ لأن يكون المراد منه عقد القلب به، ولأن يكون العقد الَّذي يضاده الحلُّ، فلمَّا ذكر هنا قوله: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} علمنا أنَّ المراد من ذلك العقد هو عقدُ القلب.
          وأيضًا ذكر المؤاخذة هنا ولم يبيِّن تلك المؤاخذة ما هي، وبينها في آية المائدة بقوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة:89]، فكفَّارته إلى آخرها فبيَّن أنَّ المؤاخذة هي الكفَّارة، فكلُّ مؤاخذةٍ من هاتين الآيتين مجملةٌ من وجهٍ مبيَّنةٌ من وجهٍ آخر، فصارت كلُّ واحدةٍ منهما مفسَّرةٌ للأخرى من وجهٍ، وحصل من كلِّ واحدةٍ منهما أنَّ كلَّ يمينٍ ذكر على سبيل الجد، وربط القلب به، فالكفَّارة فيها ويمين الغموس كذلك، فكانت الكفَّارة واجبة فيها، وسيجيءُ البحث فيها هل يجب فيها الكفَّارة، أو لا في باب «اليمين الغموس» [خ¦6675].
          ({وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:225]) حيث لم يؤاخذكم باللَّغو في أيمانكم، وسقط في رواية أبي ذرٍّ قوله: <{ولكن...}> إلى آخره وقال: <الآية>.